×
محافظة المنطقة الشرقية

اجتماعي / 1827 فعالية لوزارة الشؤون الاجتماعية خلال شهر رمضان المبارك / إضافة ثانية

صورة الخبر

من استخدام الريش في محاولة لمحاكاة الطيور أثناء تحليقها في السماء، إلى المواد المركّبة التي يتم استخدامها اليوم في صنع العديد من الطائرات فائقة التطوّر، يجسد تطور المواد التي يتم استعمالها لتحويل حلم الإنسان في الطيران إلى حقيقة مقدار التقدّم الكبير الذي شهده قطاع الطيران. يقال إن عباس بن فرناس العالم العربي العظيم، كان أول إنسان يستخدم الريش لبناء آلة طائرة غريبة وبدائية في القرن التاسع بعد الميلاد، لكن ما من دليل قاطع على نجاح محاولته، غير أن إداركه في ذلك العصر لضرورة استخدام مواد ديناميكية هوائية خفيفة الوزن لبناء آلته الطائرة يعد أمراً لافتاً بلا شك. وبعد مرور ما يزيد على ألف عام، تفوق مكونات الطائرة التي تم ابتكارها اليوم خيال ابن فرناس الجامح بأشواط، وهناك فرق شاسع بين التعقيد الذي يتسم به عالم الطيران المعاصر وبين بساطة المحاولات الأولى للطيران. ومضى أصحاب الرؤى الثاقبة، مثل الأخوين رايت بإصرار لتحقيق طموحهم للقيام برحلة طيران باستخدام الآلة وعملوا بأنفسهم على بناء طائرة، وفي الواقع قام رايت فلاير وفقاً للمعايير الحالية بصنع طائرة شراعية بسيطة تعمل بالطاقة ومصنوعة من الخشب والنسيج. غير أن تأثير هذه الحقبة الزمنية في تاريخ الطيران لا ينسى، فقد تم خلالها إثبات أن الطيران باستخدام الطائرات العاملة بالطاقة أمر وارد وممكن الحدوث، كما كانت المحفز لنشوء قطاع الطيران. وتم استبعاد المعادن لثقل وزنها وقابليتها للتآكل، وقام الرواد الأوائل مثل وليام بوينغ ببناء هياكل الطائرات باستخدام خشب البتولا الراتنجي الرقائقي (الأبلكاج) أو خشب البلسا، ومن ثم عملوا على تغطيته بالقماش. وعلى الرغم من استخدام الألمنيوم لصناعة المحركات المكبسيّة التي كانت تشغّل هذه الطائرات، غير أن القدرة على تصنيع طائرة مصنوعة بالكامل من الحديد لم ترَ النور حتى جاء ألفريد ويلم، عالم الفيزياء الألماني، الذي طور سبائك معدنية جديدة وخفيفة الوزن أطلق عليها اسم ديورالومين. ولعبت هذه المادة الجديدة دوراً جذرياً في تجربة هوغو جانكرز وساعدته على بناء طائرة تجارية جديدة مصنوعة بالكامل من المعدن، تم الكشف عنها بعد ذلك بثلاث سنوات. ومنذ ذلك الحين، فتح استخدام السبائك المعدنية الباب أمام تحقيق قفزات جديدة في مجال الأداء، لم يكن تحقيقها ممكناً لو اقتصر الأمر على استخدام هياكل الطائرات المصنوعة من الخشب والقماش، وأسهم استعمال المعادن التي كانت قادرة على التعامل مع الضغط الميكانيكي للطيران من جهة والاعتماد على مبدأ الكتلة الواحدة، الذي يقوم على الاستفادة من السطح الخارجي للطائرة لدعم ثقلها البنيوي على نحو لا يختلف كثيراً عن قشرة البيضة، من جهة ثانية في إمكانية تطوير طائرة «بوينغ 247» عام 1933، وكانت حينها أول طائرة عصرية في العالم تعمل على توظيف قوة سطحها الخارجي المصنوع من الألمنيوم المؤكسد للمحافظة على السلامة. ومهد هذا الأمر بدوره الطريق أمام التحكم بالضغط الداخلي للمقصورة، وأصبحت طائرة «بوينغ 307 ستراتا لاينر» في عام 1938 أول طائرة تجارية تمتاز بالتحكم بالضغط الداخلي للمقصورة، ومع تحقيق هذا التقدم أصبحت الرحلات الجوية طويلة الأمد والعابرة للمحيطات حقيقة واقعة. وخلال خمسينيات القرن العشرين، شقّ الجيل الأول من طائرات الركاب النفاثة مثل طائرتي «دي هافيلاند كومت» و«بوينغ 707» عباب السماء للمرة الأولى، وأتاح هيكل الطائرة المصنوع بالكامل من الألمنيوم نقل الركاب والحمولة بمنتهى الراحة واجتياز المسافات على نحو غير مسبوق، ما خلق ما يسمى بقطاع الطيران العالمي. ورغم أن طائرة «بوينغ 707» تعتبر النموذج الهندسي لطراز الطائرات التي جاءت بعد ذلك، غير أن طائرة «بوينغ 747» التي تسمّى بملكة الأجواء جسّدت القفزة الرئيسية التالية في مجال تصميم الطائرات. وبفضل سبائك الألمنيوم المعزز، تميزت طائرة «جامبو جيت» المبتكرة بجزئها العلوي المحدب بشكل واضح، وبمقصورتها التي تتسع لأكبر عدد من المسافرين وبأضخم حيز للشحن تمتلكه أي طائرة حتى ذلك الحين. ونظراً للتحديات الخاصة التي تترتب على استخدام الألمنيوم في صنع الطائرات، سعت شركات الطيران للحصول على طائرات أقوى وأخف وزناً وأكثر كفاءة في استهلاك الوقود، ونتيجة ذلك بدأ المهندسون البحث عن مواد أخرى مثل سبائك ألياف الكربون والمعادن على غرار التيتانيوم لتقليل الوزن والسحب والضعف الناجم عن التآكل وتكاليف التشغيل، كما صبوا جهودهم لتحسين تجربة الطيران في المقصورة. وشكّل إطلاق طائرة «بوينغ 777» التي تعد حجر الأساس لأسطول الشرق الأوسط الحالي من طائرات المسافات الطويلة، تتويجاً للجهود الكبيرة الرامية إلى استخدام المواد المركبة في الطائرات التجارية. وتشكل المواد المركّبة الآن 12 في المئة من وزن هيكل طائرة «بوينغ 777»، بما في ذلك ذيلاها العمودي والأفقي والأعمدة الأرضية للمقصورة. وجاءت طائرة «بوينغ 787 دريملاينر» التي رسمت بحق مستقبل الطيران التجاري من خلال تسخير مزايا استخدام المواد المركبة لتوفير تجربة أفضل للمسافرين وشركات الطيران والبيئة، وكانت «بوينغ» أول طائرة يتم بناءها باستخدام أجزاء شبيهة بالبراميل مصنوعة من المواد المركبة، دون استخدام الصفائح التقليدية المصنوعة من الألمنيوم والاستغناء عن آلاف المسامير اللازمة لتثبيتها. ويتم بناء 50 في المئة من الطائرة باستخدام المواد المركبة المتطورة، فيما تم صنع 15 في المئة من الطائرة باستخدام التيتانيوم، في الحقيقة، 20 في المئة فقط من هيكل الطائرة من الألمنيوم، وهو إحدى العوامل العديدة التي سمحت بتقليل التكلفة التشغيلية للطائرات بشكل كبير، بفضل تخفيض الحاجة لإجراء الصيانة وتحسين استخدام الوقود، فضلاً عن زيادة العوائد. وقلّما تشهد القطاعات الصناعية الازدهار السريع والقفزات الكبيرة المبتكرة التي حظي بها قطاع الطيران، ففي غضون ما يزيد على قرن واحد فقط، ارتقت الصناعة من استخدام الآلات المصنوعة من الخشب والموسلين والقادرة على الطيران لبضعة مئات من الأمتار، إلى تصنيع عائلة طائرات «دريملاينر» عالية الكفاءة ومنها على وجه الخصوص طائرة «787-10» التي تستطيع حمل ما يزيد على 300 راكب وأطنان من الحمولة وقطع مسافات ما كان لمخيلة عباس بن فرناس أن تحلم بها على الإطلاق. ومع التطور الذي يحرزه هذا الابتكار، يمكن للمرء أن يتخيل ما يخبئه المستقبل من ابتكارات جديدة. * نائب رئيس تطوير المنتجات في بوينغ للطائرات التجارية