غاب عن المشهد جسدا لكنه باق ببصماته المحفورة في سياسة المملكة الخارجية طوال 40 عاما. إنه صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل الذي تسنم وزارة الخارجية منذ تعيينه عام 1975، فقاد السياسة الخارجية السعودية لأربعة عقود متواصلة تحت توجيهات قيادة المملكة، معاصرا أربعة ملوك منحوه جميعا ثقتهم، وزودوه بأوسع الصلاحيات والسلطات. الأمير الراحل -يرحمه الله- كان خلال فترة عمله قوة عملاقة حصيفة تتسلح بالدهاء والذكاء والقدرة والصدق والوضوح، فوظف كل إمكاناته الشخصية في خدمة وطنه، وأسهمت سياسته ودبلوماسيته وما يمتلكه من بعد نظر ورؤية، في مواجهة الأزمات العالمية والإقليمية بما يحفظ مصالح المملكة ويدعم استقرارها وأمنها. لقد وضع الراحل بصماته السياسية في العديد من الملفات الهامة والحساسة ولعب دروا محوريا فيها، وكان منها الحرب الأهلية التي مزقت لبنان لمدة 15 عاما، والحرب العراقية الأردنية، واحتلال الكويت، وملف أزمة الصورة السعودية بعد هجمات 11 سبتمبر، ودعم الشعب السوري، وأخيرا عاصفة الحزم. وظل الراحل محل الثقة والقدرة والعطاء في كل هذه الملفات، وفي ملفات أخرى يصعب حصرها، فكان رجل الموقف والمعرفة والإدراك، وكان العين التي ترقب والعقل الذي يسهر لأجل أن تمخر سفينة المملكة في بحار الأزمات العالمية بكل أمان. لقد نجح الأمير الراحل في كل تلك المهام، مستفيدا من دعم وتوجيهات ملوك المملكة الذين عاصرهم، ليصبح جديرا بالمكان الذي حفره لنفسه في تاريخ المملكة الحديث. إن المتتبع لمواقف الأمير الراحل ليدرك أن سيرته وعمله نبراس مشع ومدرسة مجانية في العمل الحكومي والسياسي والدبلوماسي والذي تستنير منه الأجيال. رحم الله الأمير سعود الفيصل وأجزل له العطاء.