تباً لهؤلاء الذين قلبوا مفاهيم أتباعهم في الحياة، وأحالوا حياتنا إلى جحيم لا يطاق. تباً لهم لأنهم جاؤوا في الوقت الخطأ، إلى المكان الخطأ، ليجعلوا من الممارسات العادية أخطاء فادحة، ومن الأخطاء الفادحة أعمالاً عظيمة، ومن غزواتهم السوداء فتحاً مبيناً. كنا مجتمعات بسيطة، تعيش حياتها في سلام ودعة، تفهم دينها على سجيتها وفطرتها، سمحاً كما أنزله الخالق العظيم على نبيه الكريم، تمارس عباداتها من دون تعقيد، وتكوّن عقائدها دون فلسفة أو فذلكة، تؤمن بأن الحياة أبسط من أن نعقد تفاصيلها، وأن الخالق أكرم من أن يحاسبنا على حسن نياتنا، لأن الدين يسر لا عسر، حتى جئتم فقلبتم حياتنا رأساً على عقب، وطعنتم في مفاهيمنا وعقائدنا وممارساتنا، وبدلتم أسلوب حياتنا. كنا نحث أبناءنا على الذهاب إلى المساجد لأداء الصلوات جماعة، ونشجعهم على حضور حلقات العلم التي تعقد فيها، وكنا نسعد برؤيتهم يبدأون خطواتهم الأولى في الحياة من دور عبادتهم، حتى جئتم فجعلتمونا نخاف عليهم من الذهاب إليها كي لا تتلقفوهم وتحولوهم إلى متطرفين مثلكم، ودفعتمونا إلى إعطائهم دروساً في الحذر منكم، قبل أن نسمح لهم بالذهاب إلى بيوت الله، وممارسة عباداتهم مثلما أمرنا الله أن نفعل، وكما كنا وكان آباؤنا وأجدادنا يفعلون. كان رجالنا يرسلون لحاهم، ويتفاخرون بها، لأنها من سمات الرجولة ومظاهر العربي الشهم النبيل، فأصبحنا نتحسس من إرسالها، بعد أن أصبحت مظهراً من مظاهر التطرف لدى الآخرين، وبعد أن غدا موظفو الجوازات في مطارات العالم ينظرون إلى من يرسل لحيته نظرة شك وريبة، ويدققون في أوراقه، قبل أن يسمحوا له باجتياز بوابة الدخول إلى بلدانهم، للعلاج أو الدراسة أو السياحة أو إنجاز الأعمال. كانت النساء في مجتمعاتنا عفيفات مستورات، وكان الرجال ينظرون إليهن على أنهن أمهات أو أخوات أو زوجات أو بنات، فأصبحت المرأة عندكم عورة؛ أصبح وجهها عورة، وأصبحت يدها عورة، وأصبح صوتها عورة، حتى ظِلها أصبح عورة! وحدهن مجاهدات النكاح أصبحت لهن الحظوة عندكم، أما غيرهن فأصبحن سبايا أو مشاريع إماء، يقفن على قائمة الانتظار، بعد أن تنتهوا من تحرير كل الأوطان، وتخلصوها من الكفرة كما تزعمون، لتنصبوا الخيام، وتعيدوا إحياء أسواق النخاسة ،التي نسيها العالم، ولم يعد لها وجود إلا في فكركم المعتل، ونفوسكم المريضة. كنا نعيش في مدن آمنة لا تعرف الانفجارات والعمليات الانتحارية، فجئتم لتفجروا المساجد والمدارس والمراكز التجارية، والأماكن التي يرتادها الناس، وتنشروا الخوف في كل مكان، وتمنعوا الناس من العيش في أمان. كنا نحلم بوطن كبير، تلغى الحدود بين دوله، نتغنى به في طوابير الصباح، حتى جئتم فألغيتم طوابير الصباح وأحلام المساء، وأقمتم مكانها سرادقات العزاء، وحولتم دولنا إلى دويلات، ترفع كل جماعة منكم فوق الأرض التي تحتلها منها رايتها السوداء، وتتقاتل عليها كما تتصارع الذئاب على الغنم، ودفعتمونا إلى بناء الأسوار وإقامة الجدران العازلة بيننا وبين الأراضي التي تسيطرون عليها، وتزرعون فيها الخراب وتنشرونه منها، كي نحمي أنفسنا من تمددكم، وندافع عن الأرض التي لم يصلها بعد طوفانكم الأسود. تباً لكم أيها المتطرفون، فقد فهمتم الإسلام خطأ، ومضيتم تطبقونه خطأ، وقدتم أتباعكم عبر الدروب الخطأ، فروعتم السكان الآمنين، ونشرتم بينهم الخوف والفزع، وقلبتم حياتهم رأساً على عقب، وعثتم في الأرض خراباً ودماراً، فأي انقلاب أسود أحدثتم في مجتمعاتنا الآمنة المطمئنة، وأي ريح سوداء خبيثة جاءت بكم في زمن كنا ننتظر فيه رياحاً طيبة، تعيد للأمة وحدتها وتماسكها، وتمضي بها نحو النور الذي لا تعيش فيه الخفافيش أمثالكم؟ لا تقولوا لنا: قال الله.. قال رسوله، فالله لم يأمر بالظلم والطغيان، وإنما أمر بالعدل والإحسان، والله لم يخلق الناس ليتناحروا، وإنما خلقهم ليتعارفوا، ورسوله الكريم لم يأت لسفك الدماء، وإنما جاء لحفظها وإعلاء القيم الإنسانية، ونشر المحبة والسلام بين البشر، وتغيير قيم الجاهلية التي جئتم أنتم لتعيدوا إحياءها من جديد، فتباً لكم ولأولئك الذين ينخدعون لكم وبكم، وطوبى لمن أدرك الحقيقة فنأى بنفسه عنكم، وحمى مجتمعه ووطنه منكم. ربما تستطيعون أن تخدعوا بعض الناس كل الوقت، وربما تستطيعون أن تخدعوا كل الناس بعض الوقت، لكنكم لا تستطيعون أن تخدعوا كل الناس كل الوقت، لذلك لن ننخدع لكم ولا بكم، ولن نترك الآخرين يفعلون ذلك، لأن البيئة التي ولدنا ونشأنا فيها بيئة سليمة، أما البيئة التي تربيتم أنتم فيها فهي بيئة مريضة وآسنة. مناعتنا أقوى من أن يهزمها فيروس التطرف الذي تحاولون أن تنشروه بيننا، لأنه فيروس لا يتأثر به إلا ضعاف المناعة النفسية أمثالكم، أولئك الذين حرموا نعمة العيش في مجتمعات صحتها النفسية سليمة، وبيئتها غير ملوثة. سنحصن أطفالنا ضد فيروسكم القاتل بالاعتدال والتسامح، ونأخذهم إلى المساجد مرة أخرى آمنين مطمئنين، وسنرسل لحانا من دون خوف من تهمة الانتماء إليكم أو التشبه بكم، وسنحمي نساءنا من نظرات الشك والريبة التي تنظرون إليهن بها، ومن شهوة السبي التي تحملونها تجاههن، وسنعيد الأمان لسكان مدننا الذين روعتهم عمليات أتباعكم المغرر بهم الانتحارية، وسنوحد بلداننا التي مزقتموها، ونحرق راياتكم التي نصبتموها على تلال الخرائب التي خلفتموها، وفوق أنهار دماء الأبرياء التي سفكتموها. سنطهر مجتمعاتنا منكم لأنكم مرض، والمرض عارض، أما الصحة فمقيمة، وأنتم العارضون، ونحن المقيمون أيها المتطرفون.