ما السبيل لحماية أرواح الأبرياء في مجتمعات تبدو ظواهر التطرف والعنف والإرهاب فيها في تزايد مستمر ولافت للأنظار؟ ما هو السبيل لعودة مجتمعاتنا العربية الى طريق الوسطية الذي يعكس الثقافة الاجتماعية التي طالما تربينا عليها، وعاش في ظلالها الآباء والأجداد؟ كيف نحمي شبابنا من شر تيارات الظلام التي تجرفهم وتحوّلهم الى قنابل بشرية موقوتة تنشر القتل والتدمير في كل مكان، وتبعثر الدماء والأشلاء في نفوسنا قبل أن تبعثرها في الفضاء المحيط بنا؟ من يتحمل وزر ما آل إليه الوضع في مجتمعاتنا, ومن المسؤول عن ضياع جيل بأكمله وتدهور ثقافته الاجتماعية والدينية والفكرية وانجرافه في طريق الموت والضياع؟ أصابت تفجيرات الكويت الأخيرة دواخلنا بضربة قوية أخرى كما أصابت العالم بالذهول وكأنها المرة الأولى التي يشهد فيها تفجيرات من هذا النوع. الذهول سببه ليس حجم الكارثة ولا عدد الضحايا ولكن في توقيت تلك الهجمات وفي مكانها. فنقل الصراع الى الأماكن الدينية كان سمة من سمات نبذ الآخر، أو هي الظاهرة التي بدأت تتزايد بشكل لافت للأنظار في المجتمعات العربية. فمنذ بداية هذا الصراع قبل أكثر من عقد من الزمان أصبحت الأماكن الدينية مكاناً لحسم المعارك وميداناً لحسم الصراع. فمن تفجيرات الكنائس في مصر والعراق إلى التنكيل بالأقليات الدينية التي عاشت جنباً إلى جنب معنا، وانتهاء بالصراع المذهبي والطائفي الذي قطع أوصال تلك اللحمة التي كانت تربط بين سائر الأعراق في بلداننا العربية، أصبح عالمنا العربي حائراً بين ثقافة الوسطية التي تربى عليها وبين ثقافة نبذ الآخر التي يتبناها اليوم. وما بين تفجير وآخر يراودنا الأمل في عودة العقل والمنطق وعودة ثقافة الوسطية، والتي لطالما كانت السمة الأبرز في ثقافة العالم العربي. قوى الشر والظلام تستغل كل مناسبة دينية إسلامية عاقدة العزم على إراقة المزيد من الدماء ونشر المزيد من الفوضى مع أشلاء ضحاياها وعازمة على الإساءة للإسلام كدين عالمي لا يفرق بين المؤمنين ولا يهدد ولا ينبذ الآخر. لم توقفهم الصيحات الدينية الداعية للمّ الصف ولم يخفهم التهديد والوعيد، ولم تردعهم ضربات القوة العسكرية، بل كما يبدو زادتهم إصراراً على تنفيذ أجندتهم بسرعة تكاد تسبق خططنا الموضوعة. فأولئك الإرهابيون يعملون تحت ظروف بالغة الدقة والحساسية متحدين العالم بأسره. أولئك الإرهابيون يصرون على المضي قدماً في الطريق الذى اختطوه لأنفسهم وهو طريق الدمار والتخريب، عازمين على إبادة من يقف في طريقهم بوحشية من سئم الحياة وتاق للموت. أمام قوى الموت هذه تقف كل جهود التوعية والنصح والتوجيه غير قادرة علي أداء واجبها. فطريق الخطأ والخطيئة يشدهم لدرجة أن كل الجهود المعنوية والتوعوية تذهب عبثا. لا شيء يمكن أن يردعهم ولا شيء غير القوة العسكرية التي سوف تجرفهم الى الموت يمكنها أن تخلصنا منهم. إذ لم يتركوا لنا خيارا غير استخدام القوة العسكرية. بالطبع تتحمل مؤسساتنا التعليمية والاجتماعية والدينية الكثير من اللوم. ولكن يجب ألا نظل ندور كثيراً حول قضية جلد الذات وتأنيب الضمير لدرجة أننا ننسى أن نفتش عن الحلول الكفيلة بقطع دابر التطرف والإرهاب من تربتنا. يجب أن نفكر في حلول كفيلة بإنفاذ الموقف بعد أن انجرف الآلاف من شبابنا في طريق يبدو وكأنه لا رجعة منه ولا سبيل إلا قتل النفس والانتحار. فلنفتش في داخلنا عن المسؤول الحقيقي. فكل نظام سياسي يمول الإرهاب ويدعمه هو مسؤول عن تفشي الإرهاب، كل أسرة تحتضن فردا وتشجعه على الانجراف في طريق الشر هي مسؤولة عن الإرهاب، كل مؤسسة دينية تنشر الفرقة وتحث على نبذ الآخر المختلف عنا فكرا وعقيدة هي راعية للإرهاب، كل مؤسسة تعليمية تزرع قيم التفرقة وتحث على نبذ الآخر هي المسؤولة عن الإرهاب. إذاً فحماية اجيال المستقبل من خطر الانجراف في طريق الموت هو مسؤولية كل فرد فينا. هو مسؤولية الدولة التي يأتي على رأس أولوياتها حماية أمن وسلامة كل فرد يعيش بين جنباتها، هو من مسؤوليات التنشئة الأسرية لكل أسرة تخاف على أبنائها وتعمل على حمايتهم، هو من مسؤوليات كل مؤسسة دينية تنشر روح الوسطية وتحث على التعايش السلمي بين البشر أجمعين، هو من مسؤوليات كل مؤسسة تربوية تعليمية هدفها نشر العلم والقيم الجيدة وعلى رأسها قيم الوسطية والتعاون وقبول الآخر، هو من مسؤوليات كل مؤسسة اجتماعية هدفها حماية المجتمع ككل. إننا لن نقهر الإرهاب والإرهابيين إلا بوحدتنا الداخلية ولا شيء غير ذلك.