لو كان الذي تبرع بكامل أمواله وبمبلغ خرافي يتجاوز في قيمته 120 مليار ريال ( 32 مليار دولار ) ينتمي لدولة خليجية أو أجنبية لقامت الدنيا ولم تقعد ولاشتعلت أدوات التواصل الاجتماعي ولتحول هذا الخبر إلى حائط مبكى كبير، ولضربنا كفا بكف لغياب هذه النماذج عن مجتمعنا ولأصبحت القصة أيقونة بكائية لاتنتهي، ولكن لكون هذا الكائن سعوديا خالصا، فإن ردود الأفعال على هذا التبرع جاءت باردة وفاترة جدا ولا ترقى لحجم ومغزى هذه المبادرة الإنسانية ورمزيتها الاجتماعية والتاريخية في مجتمع مايزال يتعاطى مع مفهوم الجانب الخيري في إطار الزكاة والصدقة فقط. لك أن تتفق مع الوليد ولك أن تختلف معه فذلك حقك لكن لا أحد يختلف على كون هذه البادرة التاريخية تدشن لحقبة جديدة في مفهوم العمل الاجتماعي ومنظومته الانسانية الواسعة والمترامية الأطراف بل وتشكل نقلة نوعية في التعاطي مع المال الخاص ومفهوم تجييره المال (الخاص) لصالح الإنسان (العام) ماديا أو صحيا أو تعليميا. أن يقول الرجل بأن هذا الرزق أتاه من الله في هذه الأرض المباركة وأن لها الفضل في ذلك وبالتالي فإن الأولوية ستكون لها في أن صرف معظمه على أرضها فهو بذلك يتعاطى مع تشكيل وهندسة خطاب اجتماعي جديد لم نعهده من قبل طبقات اجتماعية وتجارية سميكة وذات ثراء واسع تعتقد بالعكس من ذلك أنها صاحبة فضل على البلد وأهله. ليس لي علاقة مع الرجل ولا تربطني به مصالح لا من بعيد أو قريب لكن مثل هذه الخطوة تقربنا من ثقافة عالمية سائدة ومتنامية تعيد إنتاج المال الخاص من جديد وضخه في أوصال مؤسسات المجتمع الخيرية والصحية والتعليمية الخ.. وهي خطوة لم يسبقه إليها أحد وبهذا الحجم ممن وهبهم الله مبالغ طائلة لا يفصحون عنها فما بالك بفكرة التبرع بها أو بجزء كبير منها ورغم ذلك لم أشاهد إعلانا واحدا أو كلمة ترحيب واحدة من قبل مؤسسات المجتمع المعنية بالتنمية الخيرية أو التطوعية أو الصحية أو التعليمية أو رموزه في بلادنا بهدف ترسيخ هذا النموذج. دندنا كثيرا حول «بيل جيتس» و«وارن بافت» اللذين تبرعا بثلثي أو نصف ثروتهما.. لكن يظل زامر البلد لا يطرب..