×
محافظة المنطقة الشرقية

أيادي الكويت البيضاء تمتد من سوريا إلى العراق

صورة الخبر

لكل آية من القرآن باب يفتحه المؤمن فيجد نورا ساطعا فيه، فيدخل فيجد حلاوة لا يذوقها غيره، الجمال القرآني لا يوصف، العلم الرباني لا يعرف، النور الإلهي لا يوصل إليه إلا بدخول المؤمن داخل هذه الغرفة التي بها ذلك الباب، فيستنشق ريح الجمال، ويتذوق طعم الحلاوة التي هي أصل ذلك الخيال، وأتصور نفسي في قمة السعادة عند قراءة القرآن، والتمعن في آياته، ففيه كل ما يحتاج الإنسان من هذه الحياة وما في هذه الحياة، القرآن أحبتي وما أدراكم ما القرآن، هو عمق، وحصن ونور وغوث، هو باعث التحدي، طارد الشيطان، ذلك كلام الله الذي يستأنس به المؤمن، ويفر منه الكافر، ويستنقذ به الهارب. ربنا ما خلقت هذا باطلا، إن قلت إذعان فهو أكبر، إن قلت تسليم فهو أعمق، أنت لست جمادا، لست حيوانا، لست شيئا كسائر الأشياء، أنت معنى في الحياة، لك قيمة فيها ومحسوب ومطلوب أن تعطي، فكيف ستعطي؟. العقل أول خلق الله وزينة الحياة وفي اللغة جمع العقل عقول وسمي بالعقل لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك وهو جوهر روحاني خلقه الله، إن العقل قوة إلهية، إن الله تعالى ميّز الإنسان دون خلقه أجمعين بالعقل، فالكائن الوحيد العاقل هو الإنسان، ونتيجة العقل استخلفه في الأرض وكل ما يقع تحت الحس يعقله الإنسان، وإما ما لا يعقله الإنسان فهو كل محجوب بحاجب الزّمان أو المكان، والله أحب العقل وميزه عن مخلوقاته. نأتي الآن إلى الطبع والمزاج، بعد أن عرفنا العقل وعرّفناه، الطبع عند علماء النفس عبارة عن عنصر ثابت لا يتغير، عنصر أيها الأحبة بما هو عنصر، يعني هو شيء موجود لابد للإنسان أن يكون له طبع وليس بمعنى أن الطبع لا يتغير، إنما كون الإنسان لابد أن يكون معه طبع معين، كون الإنسان يتطبع، كون الإنسان له طبع، هي نفسها المسألة فلا يتغير أن الإنسان لا يمكن أن يكون بلا طبع، أما نفس الطبع فيتغير بالتأكيد بحسب عوامل الطبع وهي عبارة عن الاستعدادات والميول الداخلية، علماء النفس يرون أن الطبع عنصر لا يتغير وإنما يقوم بتطوير النفس، يعني الطبع يكمل الجسد ويحدد الروح، أما علماء الأخلاق فيشيرون الى أن الطبع يعتبر سجية طبيعية مركوزة بحسب الاستعداد الفطري، وهو يترسخ بواسطة تربية النفس، من هذين الرأيين يتضح لنا أن الطبع عنصر مضاف إلى شخصية الإنسان الإنساني لأن الطبع عنصر مكتسب من خلال الحياة، ومن هنا نسد الثغرة على من يعتقد أن الطبع إرادة إلهية عليه، فيقول أنا عصبي والله كاتب علي أكون عصبيا، أنا مزاجي والله كانت علي كذا، إجمالاً الطبع مكتسب والمزاج أيها الأحبة هو عنصر إضافي لهذا المكتسب، فنسمي الطبع مكتسب أول، والمزاج مكتسب على المكتسب، وعامل الاكتساب عبارة عن العادات التي تجذرت لدى الإنسان بطبيعة حياته ومعيشته، ولابد أن نفرق أيها الأحبة، الطبع عنصر ثابت، ما يتغير في هذا الطبع هي القيم المكتسبة المحفوفة بالطبع. هل يمكن أن يتغير الطبع؟ وإذا أمكن كيف يتغير، والجواب إن علماء النفس يقرون بعدم تغير الطبع أو عدم إمكانية تغير الطباع كونها تعرض عبر نتيجة إفرازات الأجهزة العصبية الموجودة عند الإنسان وبالتالي نكتشف أن المسألة عضوية، عبر الغدد الصماء، هذه الغدد تجعل الإنسان خاضعاً لميوله، تحت تأثير رغباته، وهذا ما يعبرون عنه بأنك قد ترى إنسانا ملتزما وفي نفس الوقت بخيل، وشتان بين الالتزام والبخل، أو ترى إنسانا ملتزما ومرائيا وهو يعرف أن الرياء حرام، أو العجب حرام، أو ملتزم وهو كذاب وهو يعرف أن الكذب حرام، وهكذا. أقول إن علماء النفس أخطأوا التشخيص في هذا المقام لأن الإنسان مخلوق، أوقد الله فيه شعلة العقل ومنحه التصرف الكامل، وأوجب للخلق كله طاعته، ومن المحال أن يسخر الله كل شيء لمخلوق يعجز أن يحرك طبعه، أو يغيره، لذلك إننا إذا ما واجهنا هذه المسألة بصورتها الحقيقية نجد أن الإنسان قادر على التصرف في كل شيء بمجرد أن يرجع إلى حالة الوعي، العقل، الإدراك، التفكر، العلم، المعرفة، وهنا نضع سر الآية المباركة التي بدأت بها (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار). مثال في اختيار النبي ابراهيم (ع) للنار، وقبلها في عملية البحث عن الله، عملية صريحة، واضحة، كاملة، مقننة، متقنة، من عمليات التفكير الإنساني، لم تصدر له العبارة أنك يا إبراهيم اعبد من عبد الله، إنما كان العقل عامل الابتداء في الأخذ، في الاختيار، الشوق موجود، الشوق إلى معرفة الإله، وهذا طبع الإنسان، وهو طبع ثابت، شدة الشوق المندفعة نحو العمل والابتداء بالعبادة للرب موجودة، وهذا جزء من الطبع الإنساني الثابت عند الإنسان، لم يكن للعاملين الثابتين تأثير على صحة الأخذ، صحة الاختيار، إنما بوجود العامل الثابت كان الاختيار أشد والإرادة أكبر، لاحظ، (فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونّن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين)، توجد حركة طبيعية، صراع داخلي بين الشوق والرغبة، وشدة الشوق والمزاج، وبين الإرادة التي مصدرها العقل والاختيار الذي مصدره العقل، كون الإنسان أيها الأحبة مريدا، مختارا، وله القدرة على تمكين إرادته لاختيار ما يخالف شوقه وشدة شوقه، خصوصاً إذا كان الدفع باتجاه عواقب غير محمودة، ومن هنا نعرف أيها الأحبة أن الطبع الإنساني لا يقود الإرادة، وهذا خلاف لما يراه علماء النفس. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال (ما قسم الله للعباد شيئا أفضل من العقل، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل، وإفطار العاقل أفضل من صوم الجاهل، وإقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل، ولا بعث الله رسولا ولا نبيا حتى يستكمل العقل).