بمشاركة تسعة عشر فيلماً من خمس عشرة دولة اجنبية، انطلقت في العاشر من الشهر الجاري الدورة الأولى لمهرجان الافلام العلمية في فلسطين بالتزامن مع كل من الأردن والإمارات العربية المتحدة، بتنظيم من مؤسسة عبدالمحسن القطان في مدينة رام الله وبالشراكة مع معهد غوته الالماني والمركز الثقافي الفرنسي ومتحف الاطفال في الاردن. وفي عروض المهرجان افلام علمية قصيرة ومشوقة استهدفت قطاع الاطفال واليافعين بالدرجة الاولى، مع ان جزءاً منها استهدف جمهور السينما من الكبار. وتنقلت العروض ما بين 15 مدينة وبلدة وقرية فلسطينية على مدار خمسة ايام وكان اولها فيلم «مطاردة الجليد» (80 دقيقة) والذي يعرض للمرة الأولى في الشرق الاوسط وهو فيلم لجيف اورلوفسكي، وفيه يقدم الانهيار الجليدي الهائل الذي حصل في غرينلاند في القطب الشمالي، الذي يعتبر دليلاً قاطعاً على تغير المناخ. وقد استمر تصوير الفيلم سنوات عدة وتمكن اورلوفسكي ومصوره جيمس بالوغ من التقاط صور لحدث استثنائي حيث ان وجودهما هناك تصادف مع حدوث انهيار جليدي ضخم ولحسن حظهما كانت برفقتهما كاميرات حديثة. على الفور يومها، قرر بالوغ استخدام هذه الكاميرات في التصوير البطيء لالتقاط صور تعبّر عن حال المناخ وتغيراته وانعكاساته على جبال الثلج، بمساعدة مجموعة من المغامرين الذين رافقوهما الى المنطقة القطبية الشمالية بغرض تجميع معلومات تنتهي بسجل وثائقي مصور حول الاسطح الجليدية المتغيرة في العالم. استمرت الرحلة سنوات عدة في مناطق مختلفة من العالم من آلاسكا ومونتانا الى نيبال وايسلاندا وغرينلاند بهدف التقاط صور الجليد وهو يذوب. وفي هذه الرحلة تعرض الكثير من الكاميرات الى التلف بسبب درجة الحرارة المنخفضة جداً. لكن الكاميرات الاخرى، والتي تم تثبيتها في مهمة شبه مستحيلة، تلت المهمة شبه المستحيلة التي سبقتها وفشلت، قامت بمهمتها على اكمل وجه. وكما اظهر الفيلم، فقد واجه بالوغ وأورلوفسكي ورفاقهما، الكثير من الصعوبات التي كادت تودي بحياتهم حيث كانا يضطران للنزول نحو القاع في مناطق مظلمة من اجل التقاط بعض الصور، بل ان بالوغ أُصيب بانزلاقات ادت الى اصابات في قدمه اضطر على أثرها لإجراء عمليات جراحية، لكنهما تجاوزا الموت الذي كما قالا في الفيلم، واجهاه اكثر من مرة، ليخرجا بعد هذه الرحلة العجيبة بمقاطع فيديو مبهرة انتهت الى فيلم «مطاردة الجليد» الذي ادهش العالم، ومن بينهم الفلسطيني، حيث حاز اكثر من 30 جائزة دولية، اضافة الى كونه مرشحاً لجائزة اوسكار افضل فيلم وثائقي لعام 2013. نجحت مهمة بالوغ، التي كانت على حساب حياته اليومية الطبيعية، وأسرته التي كانت ترافقه على شاشه حاسوبه النقال أينما توجه، وعلى حساب صحته، و «أخرس» كل المتشدقين بأن لا أدلة على الموت الجماعي الذي تنقله المصانع الحديثة للأجيال القادمة، فبات بالوغ وحكايته دليلاً يرافق كل مؤتمر متخصص، بل أصبح نجماً تلفزيونياً، وعالماً أيضاً، من الطراز الأول. وعرض في حفل الافتتاح أيضاً، الفيلم العلمي القصير «اكاديمية نيرد»، وهو عمل دنماركي من انتاج عام 2012 كسابقه، ومدته 7 دقائق وهو عبارة عن فيديوات قصيرة من سلسلة تهدف الى تعليم العلوم في المدارس الابتدائية من عمر 13 حتى 16 عاماً. والاكاديمية نفسها، أي اكاديمية نيرد، قدمت فيديو باسم «الطاقة»، مدته 7 دقائق وإنتاج 2012، وللمخرجة نفسها، وهو ايضاً عبارة عن فيديوات قصيرة تشكل جزءاً من سلسلة تهدف الى تقديم صورة عن الطاقة وكيف يمكن ان يتم تحويلها، ومثلهما فيديو قصير، يهدف الى النظر الى المناخ والطقس عن كثب من خلال الاشارة الى اشياء بسيطة مثل تبخر المياه الذي ينقل الطاقة الى تحرك المناخ، وللمخرجة نفسها ايضاً. وعلى مدار خمسة أيام، عرضت النمسا فيلمين علميين قصيرين هما «عبقرية الطبيعة»، و «الاحساس» اخراج جون كابنير، والأخير مدته 53 دقيقة، يخرج بنتيجة مفادها اننا كبشر لدينا حواس متقدمة تماماً، ولكن جزءاً كبيراً يمكن ان نكتسبه ونطوره في اقتباس من الطبيعة. أندرياس كلمبين، منسق مهرجان الأفلام العلمية في جنوب شرقي آسيا، ومنسق برامج معهد غوته في تايلاند، استعرض تجربة مهرجان الأفلام العلمية، الذي انطلق من تايلاند وجنوب شرقي آسيا العام 2005 بمبادرة من المعهد الألماني... فقال: «يشجع مهرجان الأفلام والثقافة العلمية، ويتيح وعياً بالموضوعات العلمية والتكنولوجية والبيئية المعاصرة، من خلال الأفلام والتلفزيون كوسائط إعلامية، كما يقدم للجماهير أفلاماً تشرح الموضوعات العلمية بشكل ميسر وترفيهي، وبخاصة للأطفال واليافعين، كما تظهر خيارات المهرجان من المادة المعروضة أن العلم يمكن إيصاله بشكل تعليمي وترفيهي في آن، باستخدام الوسائط الصوتية والبصرية». وأكد: «عبر مهرجان الأفلام العلمية الأول في الشرق الأوسط، ستتاح الفرصة للأطفال واليافعين والكبار في كل من فلسطين والأردن والإمارات، لمشاهدة الأفلام التي تم اختيارها من خلال لجان التحكيم الإقليمية»، مشدداً على الحاجة الماسة الى المزيد من الوعي بشأن «استهلاكنا وإنتاجنا للطاقة، فالخيارات التي نتخذها اليوم ستؤثر في الأجيال القادمة»، مؤكداً «سعي مهرجان الأفلام العلمية إلى المساهمة في هذا الجدل المصيري، وتشجيع الجيل المقبل من المواطنين والقيادات على التعاطي مع هذا الموضوع الحيوي».