يتساءل الكثيرون عن مستقبل الإسلام في إفريقيا في هذه المرحلة التاريخية التي يعيش فيها المسلمون الأفارقة محنة وفتنة ناجمة عن انتشار الجماعات التكفيرية في مناطق واسعة من إفريقيا السوداء الواقعة جنوبي الصحراء، التي سبق أن انتشر فيها هذا الدين الحنيف بفضل قوافل التجارة والبعثات التي كان يقودها مشايخ الصوفية، الذين كانوا يراعون الخصوصيات التي تميز المجتمعات الإفريقية التقليدية، ويركزون على مبادئ الإسلام السمحة التي تدعو إلى الإخاء والتكافل الاجتماعي، وتحض على العفو والتسامح. وتشير الدراسات التاريخية إلى أن علاقة الإسلام بإفريقيا بدأت منذ البعثة المحمدية، عندما دعا الرسول، صلى الله عليه وسلم، المؤمنين إلى الهجرة بدينهم هرباً من وحشية المشركين، إلى الحبشة التي يوجد فيها ملك لا يُظلم لديه أحد؛ وعليه فإنه، وباستثناء مناطق إفريقيا الشمالية التي دخلتها جيوش الفتح الإسلامي، وغزوة جيش المرابطين التي وصلت إلى إمبراطورية غانا التاريخية، فإن علاقة الإسلام بالقارة الإفريقية كانت علاقة يميّزها السلم والاحترام والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، بعيداً عن لغة الحرب وقعقعة السلاح. ويمكن أن نلاحظ أنه وفي هذا السياق الدولي المتميّز بهجمة غير مسبوقة على الإسلام في شمال إفريقيا، وتحديداً في المناطق البربرية الأمازيغية، التي تعمل فيها الجمعيات المسيحية والتبشيرية على نشر مبادئ الدين المسيحي في أوساط سكان المناطق الأمازيغية، من خلال التركيز على العناصر المتعلقة بالهويات الجزئية، وصولاً إلى إقناعهم بأن المسلمين والحضارة العربية - الإسلامية تتحمل المسؤولية الكبرى في تدمير لغتهم وثقافتهم الأصلية. نجد أنه وبموازاة هذه الهجمة غير المسبوقة تعمل الجماعات التكفيرية على تشويه صورة الإسلام والتضييق من وتيرة انتشار الإسلام بين الوثنيين والمسيحيين الأفارقة، فقد أشارت الكثير من الإحصاءات إلى أنه وقبل دخول الجماعات التي تتبنى العنف إلى هذه المناطق، كان الأفارقة يدخلون في الإسلام بمعدل 6 ملايين شخص في كل سنة، والآن ونتيجة لسلوكات جماعة بوكو حرام الإرهابية في نيجيريا، والقاعدة في مالي والنيجر، ومنظمة الشباب في الصومال التي قامت بالعديد من الأعمال الإجرامية والدموية في كينيا وغيرها من المناطق، يمكننا أن نتوقع أن يمر الإسلام والمسلمون في المستقبل بأوقات عصيبة في مجمل دول إفريقيا السمراء. يحدث كل ذلك في هذه المرحلة، لأن الجغرافيا السياسية للإسلام في إفريقيا تحتل أهمية كبيرة بالنسبة إلى القوى الغربية والاستعمارية، التي تريد محاصرة ما تسميه محاولة الجمعيات الخيرية الإسلامية نشر الإسلام بين صفوف فئات واسعة من المسيحيين الأفارقة الذين يعانون الفقر والتهميش وانعدام الرعاية الصحية وضعف التكافل الاجتماعي. وتسعى التقارير الغربية إلى التهويل مما تسميه النزعة التوسعية للإسلام في إفريقيا بعد أن أصبح الإسلام الديانة الأولى في القارة بتعداد يفوق 414 مليون مسلم، ويشكل المسلمون الأغلبية الساحقة في أكثر من 13 بلداً؛ وحتى في البلدان ذات الأغلبية المسيحية مثل كوت ديفوار (ساحل العاج)، بوركينافاسو وليبيريا، فإن عدد المسلمين تضاعف فيها بشكل بدأ يثير مخاوف القوى الغربية المؤثرة في السياسات الوطنية لهذه الدول. وتتهم الأوساط الغربية المهتمة بشؤون المنطقة، المسلمين والجمعيات الناشطة في المجال الدعوي باستثمار الشعور المعادي للقوى الاستعمارية التقليدية، من أجل دعم التوجهات الدينية الإسلامية المتطرفة، التي تستثمر- بحسب وجهة نظرهم- الفراغ الذي بدأت تتركه الدول الوطنية الفاشلة التي لم تعد لها القدرة على بسط سيادتها على كامل ترابها. ويذهب المحللون في سياق متصل إلى أن انتشار التطرف الديني تزامن مع تراجع غير مسبوق للمذاهب الصوفية والطرق التقليدية التي انحصر تأثيرها الاجتماعي والاقتصادي في مناطق تواجدها التاريخي لأسباب عدة، يتعلق بعضها بالأزمات الاقتصادية وبشح الموارد المالية التي باتت تمثل السمة الغالبة للاقتصادات الإفريقية. ويخلص هؤلاء المحللين إلى أن انتشار الإسلام في إفريقيا، وبخاصة في الدول ذات الأغلبية المسيحية، يمكنه أن يشكل مستقبلاً تهديداً حقيقياً بالنسبة إلى أنظمة الحكم الإفريقية القائمة في هذه الدول من جهة، وبالنسبة إلى الدول الغربية التي تستقبل جاليات إفريقية كبيرة منحدرة من هذه الدول التي تعرف تحولات كبرى في طبيعة معتقداتها الدينية، من جهة أخرى. من الواضح أن النجاحات والفتوحات التي يحققها الإسلام في إفريقيا تتزامن مع نمو وانتشار نزعات متطرفة يسهر على إدارتها خوارج هذا العصر ومن يقف خلفهم من القوى العالمية التي تتربص الدوائر بالإسلام والمسلمين، الأمر الذي يدفع قسماً من المحللين الغربيين إلى الحديث عما يسمّونه التوجهات المنحرفة للإسلام، رغم علمهم المسبق أن التطرف ارتبط تاريخياً بالممارسات الشاذة في كل الأديان والعقائد من دون استثناء. ويفسر آخرون هذه الوضعيات بما يصفونه بالعودة الكبيرة للظاهرة الدينية في إفريقيا، ليس بالنسبة للإسلام فقط، ولكن بالنسبة للمسيحية والمعتقدات الوثنية في هذه القارة أيضاً. تجدر الإشارة في السياق نفسه إلى أنه وداخل الجغرافيا السياسية الإسلامية في إفريقيا يلاحظ المراقبون الأجانب أن هناك تزايداً في وتيرة الصراع ما بين المذهب المالكي، وبخاصة في نسخته الصوفية، والمذهب السلفي الذي تتبنى الجماعات التكفيرية بعض قراءاته المتشددة للدين، الأمر الذي يُسهم في خلق مزيد من التنظيمات والفرق المرتبطة بما يسمى السلفية الجهادية التي تتبنى منهجاً عنيفاً في صراعها مع الدول الوطنية في المنطقة. ويخشى المراقبون من إمكانية اتحاد التيارات السلفية المسالمة، مثل ما يسمى بالسلفية العلمية، مع التيارات الجهادية التي تتبنى خيارات عنيفة، لاسيما في الدول الإفريقية التي يضعف فيها الحكم المركزي وتقترف فيها المؤسسات الأمنية تجاوزات خطرة ضد السكان العزل في المناطق النائية. نستطيع أن نخلُص في الأخير إلى أن الجغرافيا السياسية للإسلام في إفريقيا تواجه تحديات كبرى نزعم أنها باتت تهدد مستقبل الإسلام الإفريقي على المديين المتوسط والبعيد، بسبب الهجمة الغربية على الإسلام، الذي ما فتئ المحللون الغربيون يرددون أنه ينتشر بوتيرة كبيرة وغير مقبولة تهدد كيان ومستقبل الحضارة المسيحية اليهودية من ناحية، ونتيجة للممارسات الشاذة والعنيفة التي تقوم بها الجماعات التكفيرية التي تجتهد في تقديم صورة نمطية في غاية السلبية والسوء عن الإسلام والمسلمين من ناحية أخرى. ويكمُن الحل في اعتقادنا في تبني المسلمين عبر هيئاتهم التمثيلية الكبرى، لمنهج إصلاحي ديني يأخذ في الحسبان معطيات العصر وروح العقيدة، بعيداً عن كل إفراط أو تفريط. hzaoui63@yahoo.fr