* أربع مسلسلات لبنانية لا أكثر هي «درب الياسمين» و«أحمد وكرستينا» و«قلبي دق» و«عين الجوزة» معروضة خلال شهر رمضان العزيز. كل منها معروض على شاشات لبنانية لكنه مفقود في سواها غالبًا. «قلبي دق» متوفر على شاشة «LBC» وهو من إخراج نبيل لبّس وزوجته غادة دغفل ومن إنتاج مروان حدّاد وبطولته ليورغو شلهوب وكارين رزق الله وعصام الأشقر ورندة كعدي. «أحمد وكريستينا» من عروض محطة «الجديد» وهو من إخراج سمير حبشي وبطولة سابين ووسام صليبا وجورج شلهوب وإلسي فرنيني. «درب الياسمين» من إخراج إيلي حبيب عن نص لفتح الله عمر ومن بطولة كارلوس عازار وباسم مغنية وزينة مكي وجان قسيس. المسلسل الرابع، «عين الجوزة» عن سيناريو لإبراهيم فضل الله وإخراج ناجي طعمة وبطولة عمار شلق وطوني عيسى وأسعد فضة وعبد المجيد مجذوب. ثم هناك مسلسلات لبنانية - سورية مشتركة، منها: «24 قيراط» إخراج الليث حجو وبطولة عابد فهد وسيرين عبد النور وتقلا شيمعون. و«علاقات خاصة» من إخراج رشا شربتجي وبطولة منى واصف (من سوريا) وميرفا القاضي (من لبنان) وماجد المصري (من مصر). حظ أن يصل المسلسل السوري - المشترك مع لبنان إلى شاشات المنطقة الخليجية (التي هي بقدراتها واستقرارها السوق التي ترصدها معظم شركات الإنتاج) أعلى من حظ وصول المسلسل اللبناني الصرف. وحظ وصول المسلسل السوري الصرف هو أعلى من حظ وصول المسلسل السوري - اللبناني المشترك. هذا بالطبع إلا إذا كان العمل المشترك متوّجًا ببطولة دريد لحام (كما حدث في العام الماضي) أو هيفاء وهبي (لم تمثل مسلسلاً لبنانيًا صرفًا حتى الآن). ما السبب؟ لماذا الإقبال الخليجي (والعربي عمومًا) على المسلسلات اللبنانية المزدانة دومًا بالمناظر الخلابة والممثلات الجميلات محدود إلى معدوم؟ * هناك مشكلات عدّة في مسألة المسلسلات اللبنانية الخالصة. تلك التي لا يداخلها دم إنتاجي مشترك مع دولة عربية أخرى. لاحظ معي، إذا شئت، أن فورة الممثلات والممثلين السوريين الذين تجاوزوا الحدود في السنوات الأخيرة (وهي سنوات صراع سياسي حاد) إلى مصر أكبر من تلك التي شملت ممثلين وممثلات لبنانيين. حتى شخصية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أدّاها سوري (جمال سليمان) ولم يؤدها ممثل مصري. ما هو سر هذه الثقة؟ الحديث عن التطعيم بوجوه غير مصرية سريعًا وغالبًا ما يصب في بحيرة المواهب السورية وليس اللبنانية. ولا بد أن هناك أسبابا موضوعية لذلك. لابد، مثلاً، أن الممثلين السوريين يمنحون الشخصيات التي يؤدونها في المسلسلات غير السورية حضورًا يفتقده الممثلون اللبنانيون. هذا قد يكون واقعًا وإذا كان فإن المسألة ليست عنصرية أو طائفية وهي بالفعل ليست كذلك ولا يجب أن يكون حديثنا منطلقًا من باب التفضيل على هذا النحو. * الممثلون السوريون لديهم في الأساس أعمال محلية محفوفة بالإجادة ساعدت على القيام بالنقلة من المحلي إلى الخارجي. قبل خروج الممثلين إلى الشاشات العربية الخليجية أو سواها، خرجت المسلسلات ذاتها ولمع مخرجوها وكتّابها. هذا تمهيد رائع لبعض الممثلين الذين أحبهم الجمهور العربي خارج سوريا واستقبلهم بحفاوة كبيرة. في المقابل، وللأسف، لا نجد أن ممثلاً لبنانيًا (ذكرًا أم أنثى) لاقى هذه الحفاوة ذاتها خلال السنوات الخمس الأخيرة على الأقل. بالبحث أكثر قليلاً، نجد أن العامل الذي ساعد الممثلين السوريين على الانطلاقة الخارجية مفقود في لبنان. المسلسلات السورية شقت طريقها بقوّة في السنوات الأخيرة. اللبنانية قبعت في مكانها. * هي المهارة بلا ريب، لكن ليس المهارة ذاتها. لا بد إذن أن يكون الأمر متعلّقًا بالنصوص وما تحمله من مضامين: - ليس بين المسلسلات اللبنانية ما يسترجع ماضي العاصمة. حياتها، حاراتها، شخصياتها. المسلسلات السورية استرجعت دمشق العابقة بروح الأمس وشخصياته. أعادت فتح حاراتها وجعلت من الفترة التاريخية نوعًا (Genre) خاصًا يمكن تسميته بـ«مسلسلات الحارة». في الواقع، حتى ولو أراد مسلسل لبناني أن يعمد إلى هذا التقليد لما وجد في بيروت حيًا يصلح للغاية. شخصيات تفهم كيف كانت شخصيات الأمس ولماذا اختلفت. - اللهجة اللبنانية اختلفت. أنا بيروتي وأعرف لهجة أهلها العريقين. الجيل الجديد لا يتكلم باللهجة ذاتها التي كان يتكلم بها الآباء. اللهجة المكتسبة تحت ستار العصرنة تبدو لمستمعها غير اللبناني مفبركة. مصنوعة من شذرات متشابهة تمحو الفواصل بين الأحياء والمدن ما ينتج عنه محو الهوية أو الهويات. - ليس هناك هم اجتماعي بارز. المسلسلات المصرية وبعض السورية تتحدث عن الفساد وعن أحداث اليوم الأمنية. المسلسلات الخليجية تتناول، هذا العام، مسألة الهجرة ومسألة التطرّف، فما يمكن للمسلسل اللبناني تقديمه من مسائل صميمية؟ نعم هناك فساد وهناك رشى وهناك مشكلات كتلك الموجودة في كل مجتمع لكن ليس هناك من نصوص مميّزة في هذا الإطار. ليس هناك من هم لبناني كاف ليسترعي اهتمام المحيط العربي. ليس لأنه ليست هناك هموم، لكن لأنها لم تُصغ بعد لكي تثير اهتمام المشاهدين المحتملين خارج لبنان. - ثم هناك العامل الاقتصادي. ما دام هذا الغياب موجودا، فإنه وتبعًا لذلك، من المنتظر والطبيعي أن لا يتمتع المسلسل اللبناني بقيمة شرائية عالية. بالتالي سوف لن يستطيع التقدّم كإنتاج وكنوعية إنتاج بل وكإخراج أيضًا، كما فعلت المسلسلات السورية والمصرية. أريد أن أذكر أسبابا أخرى، مثل أن المشاهدين في باقي الدول العربية لا يعرفون، وربما لا يكترثون لمعرفة، من هم هؤلاء الممثلون اللبنانيون. أو مثل أن الحرفة الإخراجية ما زالت تقليدية تلبي شروط المشاهد اللبناني وتخلو من التحدّي للوصول إلى مستوى ذلك الممارس في المسلسلات الأخرى. ليس ما ذكرته مشكلة لبنانية بحتة. الغياب ذاته يشمل المسلسلات الأردنية والفلسطينية والعراقية. لكن لبنان لديه الخامات والمواهب التي، ضمن ما ذكرت من أسباب، لا تتمتع بالقدرة على اختراق الوضع القائم.