الطغراء هي في الأصل توقيع سلطاني، وهي خط مرسوم رسماً. ونظراً لجمال حروفها، فقد درجت منذ أن استخدمها السلطان الثالث في الدولة العثمانية مراد الأول 671 792ه، لتصبح من الخطوط التي يقبل عليها السلاطين من بعده ليوقعوا بها فرماناتهم ووثائقهم. والطريف في الأمر، أن عدداً من رؤساء الدول الحاليين قاموا بتوقيعات حديثة مقتبسة في الأصل من الطغراء، وأبرزهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإمبراطور اليابان أكيهيتو. وعادة ما يتمّ إنجاز الطغراء من دمج الخطين الديواني والإجازة. ولأنها تعتمد رسم الخط، أكثر ما تعتني بقواعده ومعاييره المعروفة، فقد جرى تكييفها وتكوينها، والتصرف في شكلها، والخروج بها عن طور الكتابة المعروفة. أقدم ما عثر عليه من نماذج شبيهة بالطغراوات، ما كان يستعمل في المكاتبات باسم السلطان المملوكي الناصر حسن بن محمد قلاوون، كما ظلت مستعملة حتى أواخر عهد السلطان المملوكي شعبان بن حسين في عام873 ه. ولما زالت دولة المماليك على أيدي العثمانيين في معركة مرج دابق في عام 922 ه على يد السلطان سليم، انتقلت معدات ملكهم إلى خزائن العاصمة اسطنبول، مع مصاحفهم ومخطوطاتهم، وقد تطورت الطغراوات بمرور الأيام، على أيدي خطاطي الدولة العثمانية، حتى وصلت إلى شكلها الأخير، كما رسمها الخطاط مصطفى راقم 1241 ه. اشتُهرت في عهد الدولة العثمانية طغراوات عدة، أبرزها: طغراء السلطان العثماني أورخان غازي، وطغراء السلطان العثماني محمود الثاني، وواحدة منسوبة إلى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، وأخرى للسلطان العثماني محمود الثاني، واشتُهرت طغراء للسلطان سليم الثالث وسليمان القانوني، وغيرهم. وبسبب الشهرة التي حازتها الطغراء فناً جميلاً مارسه السلاطين في تواقيعهم ومعاملاتهم الرسمية، فقد أصبحت تسكّ بها العملة العثمانية في سلاطين الدولة العثمانية، وكانت تتكون من نص كتابي مرسوم، يضمّ اسم السلطان واسم أبيه ولقبه بطريقة فنية مزخرفة. وقد سكّ العثمانيون دنانير ذهبية ودراهم فضية ونحاسية، في كثير من المدن، كالقسطنطينية العاصمة، وبغداد والقاهرة، وسُمّيت بعض مسكوكاتهم بتسميات محلية، مثل حميدي نسبة للسلطان عبد الحميد، ومجيدي نسبة للسلطانين عبد المجيد الأول وعبد المجيد الثاني. كما تمّ نقش الطغراء على العملة المصرية فئة الخمسة قروش، التي صدرت عام 1984، وصدرت على طابع بريد سعودي صدر سنة 1934، واستخدمت كذلك شعاراً في السعودية قبل 1950. تدين الطغراء في جمال شكلها للخط العربي، الذي يُعدّ فناً مطواعاً ذا إمكانات جمالية، وهي بحسب خبراء الخط تُعدّ من أرقى ما وصل إليه فن الجمال التزييني بالخطوط، انبثقت من تركيا، وهي صورة فريدة حققت ما يمكن أن تصل إليه معاني الخطوط والأشكال التجريدية للكتابة العربية، إنها التوقيع الرسمي المترف والمسرف الجمال لسلاطين آل عثمان، وعنها أخذت أختام المملكة الرسمية. في رسمها تبرز جماليات الخط، إلى جانب جماليات فن التزيين، والأشكال الهندسية. وفي العصر الحديث أصبحت الطغراء أكثر بساطة من حيث التصوير، وأوضح قراءة من حيث الخط، وقد تخصّص في رسمها الخطاطون الذين كانوا يجمعون البراعة في الكتابة والتصوير معاً، ومن هؤلاء على سبيل المثال: مصطفى الراقم وعبد العزيز الرفاعي وإسماعيل حقي وغيرهم. رسم مصطفى الراقم طغراء للسلطان محمود الثاني ونصّها محمود خان بن عبد المجيد دام مظفراً، والطغراء الثانية رسمها سامي الخطاط، ونصّها عبد الحميد خان بن عبد المجيد دام مظفراً. بعضهم يرى الطغراء لوحة تجريدية حقيقية، بانفراجاتها المستقلة والملأى بالأزهار المنتشرة بشكل حلزوني، في سبيل ملء الفراغ، وحديثاً صارت الطغراء تعبر عن استقلالية الفنان وابتكاراته في الأشكال والمسافات.