استخدام الكلمة في التخاطب والتواصل، وفي ميدان التربية والتعليم هو الأساس لكن تأثير الكلمة أصابه الضعف بسبب التقنية، وقوة تأثير الصورة في ايصال المعلومة ورسوخها وتأثيرها. حتى الآن لم نطور (الكلمة) لتكون أكثر تأثيرا، ولم نستثمر الصورة التي فرضت نفسها في مجال الاتصالات الانسانية. يبدو ذلك واضحا في مجال التربية والتعليم، ومجال التوجيه والارشاد وبرامج التوعية، والخطاب الاعلامي بشكل عام الذي لا يزال يتمسك بالحديث المطول والتفاصيل غير المهمة في التلفزيون الذي يعتمد على الصورة، وحين تتدخل التفاصيل (الانشائية) والعبارات الثابتة المكررة يضطر المشاهد الى التغيير بحثا عن من يشد الانتباه. تروي مذيعة تلفزيونية اسمها كوني ديكن القصة التالية من مخزون تجاربها: (حين كنت مذيعة تلفزيونية شابة كان من أوائل التكليفات المهمة التي أوكلت الي هي تغطية سباق الخيول السنوي بولاية كنتاكي لمحطة إن بي سي، وذات يوم كنت مكلفه بتصوير خيول في الاسطبلات، وهناك شعرت بأني قزمة محاطة بتلك الخيول العملاقة. وفجأة انقطع حديثي المرح أثناء التصوير حين بدأ حصان عملاق يزن ألفي رطل في أكل شعري أثناء التصوير على الهواء. ولأنني كنت مذيعة مبتدئة قمت بدافع من الاحراج والصدمة بمواصلة التقرير وكأن شيئا لا يحدث. ولأكون عادلة مع الحصان فلابد أن خصلات شعري الجافة المصبوغة بدت كوجبة غذاء لذلك المخلوق الذي يستهلك خمسين رطلا من التبن يوميا. وقد لقنتني حالة الفزع المضحكة التي انتابتني أمام كاميرا التلفزيون درسا قيما غير الاستغناء عن صبغة الشعر وهو أن العين تتفوق على الاذن، وكما لك أن تتخيل، لم يسمع أحد كلمة مما قلت، كان من الممكن أن أعلن عن علاج لمرض السرطان حينئذ ولن يدرك ذلك أحد، فقد كان جمهوري منغمساً في حالة من الالهاء البصري تستحق أن توصف كالسباقات السريعة بأنها (الدقيقتان الأكثر إثارة في تاريخ الرياضة). انتهت القصة ولم تنته الحكاية، ففي عالم اليوم لا نحتاج الى حصان يأكل شعر المذيعة لنهرب من الاستماع والانصات فقد حلت التقنية محل الحصان. في عالم اليوم يصعب أن تمتلك انتباه المتلقي لمحاضرة طويلة تستخدم اسلوب (الكلام) في عالم اليوم.. يجب أن تكون مهارتك في الاتصال استثنائية حتى تستطيع شد انتباه المستمعين لحديثك لمدة طويلة. في عالم اليوم يحضر المتلقي الى المحاضرة وبرفقته جهازه الصغير الذي ينافس المحاضر، وينافس المعلم، وأكثر من ذلك ينافس الأم والأب في جذب الانتباه والتأثير. مازال البعض يعتقد أن الإطالة في الحديث، ورفع الصوت، هي التي تجذب المتلقي وهذا اعتقاد لا يتفق مع المتغيرات الجديدة. أما في المدارس والجامعات والمعاهد فإن الجهاز الصغير هو الذي يفوز بالسباق لأنه هو حصان هذا الزمن..