للبذور النباتية اسمان متمايزان أولهما (الحب) وثانيهما (النوى)، ويعبر بلفظة (الحب) أو (الحبوب) عن البذور المستخدمة كمحاصيل غذائية أساسية للإنسان، مثل حبوب القمح (الحنطة) والشعير، والذرة، والشوفان، وكلها من بذور النباتات الوعائية، المزهرة، ذات البذور المكونة من فلقة واحدة، أما البذور ذات الفلقتين فيطلق عليها اسم (البذور)، مثل بذور العائلة القرنية التي منها الفول، والحمص، البازلاء، الفاصوليا، اللوبيا، العدس، الترمس، فول الصويا، الفول السوداني، الحلبة، البامية، كما قد تطلق على البذور التي لا يأكلها الإنسان مثل بذور البرسيم، والقطن وغيرها. رقيقة هشة أما البذور التي لها قدر من الصلابة فيطلق عليها اسم النوى (ومفردها نواة)، كما قد تجمع على أنواء، وذلك مثل نواة كل من البلح، والمشمش، والبرقوق، والخوخ، والزيتون وغيرها، واللفظة تذكر وتؤنث، وقد وردت في القرآن الكريم مرة واحدة. وأيا كانت طبيعة غلاف أو اغلفة البذرة رقيقة هشة، أو سميكة خشبية أو قرنية صلبة فإن الله تعالى قد اعطى للجنين الكامن بداخلها القدرة على شقها وفلقها، بمجرد توافر الشروط اللازمة لإنباته، وذلك من أجل تيسير خروج النبتة الجنينية النامية من داخل البذرة في عملية معجزة تعرف باسم عملية إنبات البذور التي تتكاثر بها معظم النباتات الراقية. هذه العمليات المعقدة في فلق الحب والنوى لا يقوى عليهما أحد من الخلق، ولا يمكن لهما أن تتما بغير توجيه، وهداية ربانية ومن هنا نسب الحق (تبارك وتعالى) هاتين العمليتين لذاته العلية تشريفا لهما، وتعظيما لشأنهما لأنه بدونهما ما كانت هناك إمكانية للحياة على الأرض، ولذلك قال عز من قائل: (إن الله فالق الحب والنوى)، وتدل هذه الآية على توحيد الربوبية. توحيد الخلق فأنواع التوحيد بالنسبة لله عز وجل تدخل كلها في تعريف عام وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بما يختص به، وهي حسب ما ذكره أهل العلم ثلاثة الأول، توحيد الربوبية، والثاني توحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. وعلموا ذلك بالتتبع والاستقراء والنظر في الآيات والأحاديث، فوجدوا أن التوحيد لا يخرج عن هذه الأنواع الثلاثة، فنوعوا التوحيد إلى ثلاثة، وسنتحدث عن توحيد الربوبية، حيث أنه يتعلق بهذا الموضوع، فتوحيد الربوبية هو إفراد الله سبحانه وتعالى بالخلق، والملك، والتدبير. فالله تعالى وحده هو الخالق ولا خالق سواه، قال الله تعالى: هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو، فالله تعالى وحده هو الخالق، خلق كل شيء فقدره تقديراً، وخَلْقُهُ يشمل ما يقع من مفعولاته، وما يقع من مفعولات خلقه أيضاً، ولهذا كان من تمام الإيمان بالقدر أن تؤمن بأن الله تعالى خالق لأفعال العباد، كما قال الله تعالى: والله خلقكم وما تعملون. ووجه ذلك أن فعل العبد من صفاته، والعبد مخلوق لله، وخالق الشيء خالق لصفاته، ووجه آخر أن فعل العبد حاصل بإرادة جازمة وقدرة تامة، والإرادة والقدرة كلتاهما مخلوقتان لله عز وجل وخالق السبب التام خالق للمسبب، فإن قيل: كيف نجمع بين إفراد الله عز وجل بالخلق مع أن الخلق قد يثبت لغير الله كما يدل عليه قول الله تعالى: فتبارك الله أحسن الخالقين، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في المصورين: يقال لهم: أحيوا ما خلقتم؟ الجواب على ذلك أنَّ غير الله تعالى لا يخلق كخلق الله فلا يمكنه إيجاد معدوم، ولا إحياء ميت، وإنما خلق غير الله تعالى يكون بالتغيير وتحويل الشيء من صفة إلى صفة أخرى وهو مخلوق لله عز وجل، فالمصور مثلاً إذا صور صورة فإنه لم يحدث شيئاً، غاية ما هنالك أنه حوَّل شيئاً إلى شيء كما يحول الطين إلى صورة طير أو صورة جمل، وكما يحول بالتلوين الرقعة البيضاء إلى صورة ملونة فالمداد من خلق الله عز وجل، والورقة البيضاء من خلق الله عز وجل. إثبات الخلق هذا هو الفرق بين إثبات الخلق بالنسبة إلى الله، عز وجل وإثبات الخلق بالنسبة إلى المخلوق، وعلى هذا يكون الله سبحانه وتعالى منفرداً بالخلق الذي يختص به. فالله تعالى وحده هو المالك كما قال الله تعالى: تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، فالملك المطلق العام الشامل هو الله سبحانه وتعالى وحده، ونسبة الملك إلى غيره نسبة إضافية فقد أثبت الله عز وجل لغيره الملك كما في قوله تعالى: أو ما ملكتم مفاتحه، وقوله: إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أنَّ لغير الله تعالى ملكاً. لكن هذا الملك ليس كملك الله عز وجل فهو مُلك قاصر، ومُلك مقيد، مُلك قاصر لا يشمل، فالبيت الذي لزيد لا يملكه عمرو، والبيت الذي لعمرو لا يملكه زيد، ثم هذا الملك مقيد بحيث لا يتصرف الإنسان فيما ملك إلا على الوجه الذي أذن الله فيه، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، وقال الله تبارك وتعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً، وهذا دليل على أن ملك الإنسان ملك قاصر وملك مقيد، بخلاف ملك الله سبحانه وتعالى فهو ملك عام شامل وملك مطلق يفعل الله سبحانه وتعالى ما يشاء ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.