لرمضان قبسه الروحاني وطقوسه المميزة، الموغلة في تراث الشعوب والذاكرة الجمعية، وتشمل هذه الطقوس الأشكال الفلكلورية من أهازيج وأذكار وتهاليل، كما تنعكس على تراث الأكلات وثقافة المائدة، ومن ضمن الأطباق التراثية القديمة طبق الثريد، الذي يعود لأيام قديمة من تاريخ العرب، ومازال حاضراً بالمسمى نفسه، ضمن الأطباق الرمضانية في الإمارات وفي بلدان عربية أخرى، وإن اختلفت التسمية قليلاً. ينسب البعض الثريد إلى أنه كان على مائدة سيدنا إبراهيم التي قدم لضيوفه المُكرمين، كما كان من أحب الوجبات إلى الرسول الكريم، وفي الأثر ما يدل على فضل الثريد على سائر الطعام، وفي المرويات التراثية ارتبط بجده الثاني هاشم بن عبد مناف، أو عمرو العُلا، والذي سُمي هاشماً لهشمه الخبز لعمل الثريد في سنين عجاف قل فيها الزاد بمكة، يوقدُ تحت قدوره لإطعام العابرين من ضيوف البيت وسقايتهم، فكان علماً في الكرم والسؤدد، وفيه قال الشاعر: عمرو الذي هشم الثريـد لقومه قـوم بـمكـة مسنتــيـن عجــاف سنت إليه الرحلتــان كــلاهمـا سفر الشتـاء ورحلة الأصيـاف هذا الطبق المُشكل من الخبز واللحم ومرقه لا يخلو من رمزيات في الذاكرة، فالخبز حاضر بقوة في كافة الكتب السماوية، كما أن اللحم سيد الأطعمة إلى يوم القيامة، لذلك شكل هذا الطبق بعداً روحانياً في الميثولوجيا، والذاكرة والأدب والشعر وروح الضيافة المتأصلة في المنظومة القيمية العربية، وعنصراً حاضراً لم يتغير لأكثر من ألفي عام، يحتاج إلى دراسات تراثية، بدءاً من عصر الرفادة والسقاية في عهد هاشم إلى عصر تنوعت فيه صور هذا الطبق، وتعددت مسمياته.