×
محافظة مكة المكرمة

أمير قطر يؤدي مناسك العمرة

صورة الخبر

بدأت "الرياض" في مقر متواضع ومستأجر في حي المرقب وسط العاصمة الرياض، وصدر أول عدد منها في أول شهر مايو من العام 1965م بثماني صفحات، وطباعة بدائية بالرصاص، ولون واحد، وسعر أربعة قروش، ومحررين لا يتجاوزون عشرة أشخاص في غرفة واحدة، ورغم البدايات المتواضعة استطاعت "الرياض" أن تحجز لها مكاناً في الصدارة منذ وقت مبكر، واستمرت مرحلة المرقب تسع سنوات، ثم انتقلت في مرحلتها الثانية إلى حي الملز، وهناك تحقق ل"الرياض" قفزات جيدة في العمل الصحفي، حيث زاد عدد صفحاتها، وتغيّر مضمونها وشكلها البدائي، وارتفع عدد العاملين فيها من محررين وفنيين وإداريين، ومما يحسب لهذه المرحلة التي استمرت 18 عاماً تحقيق خطة السعودة لكادر التحرير، ثم انتقلت "الرياض" بعد ذلك إلى حي الصحافة مقرها الحالي، وحققت ولا تزال إنجازات وامتيازات غير مسبوقة، ووصل أعداد العاملين فيها اليوم إلى أكثر من 200 صحفي متفرغ، وامتيازات وحوافز لمنسوبيها تتمثل في تقديم راتب شهرين كجزء من أرباح المؤسسة السنوية، وبدل سكن راتبين، وتأمين صحي، إلى جانب تقديم مكافآت تشجيعية للمتميزين تحريرياً، كما تنفرد "الرياض" عن غيرها من الصحف بمرونة وتناغم بين الإدارة والتحرير بما يخدم مسيرة العمل، والأخذ بنمط الإدارة التكاملية بين إدارة التحرير والإدارة التسويقية؛ بهدف التوفيق بين النزعة الربحية وتلبية احتياجات الجمهور، ونجحت "الرياض" خلال هذه المرحلة في توجيه عائداتها الإعلانية وأرباحها السنوية نحو تأهيل محرريها، وتدريبهم، وتأمينهم وظيفياً واجتماعياً، واستقطاب الكفاءات المهنية المميزة من الصحفيين والكتّاب، وتوفير تكنولوجيا إنتاج حديثة ومتطورة؛ لتقديم منتج صحفي متميز، كما أتاحت "الرياض" فرصة لمحرريها في تملك أسهم المؤسسة بما يصل إلى حوالي 50% من عدد أعضاء الجمعية العمومية، ولهم صوتهم الذي يخدم احتياجاتهم المهنية مقابل الملاك الآخرين، إلى جانب حقهم السنوي في الأرباح. هذه اللمحة التاريخية المختصرة مضطرون لذكرها، والتذكير بها؛ لأن من وقف خلفها رجل استثنائي، قيادي، تنويري، وطني بامتياز هو زميلنا وأستاذنا الكبير تركي بن عبدالله السديري.. الرجل الذي أخذت منه "الرياض" صحته وفكره وماله وكل وقته ليحصد معها إنجازات غير مسبوقة، وأجيال تنهل من معين مدرسته، وأسرة تحرير بما تحمله كلمة معنى (أسرة) بمواقفه الإنسانية مع الجميع دون استثناء، وقلّ أن يكون زميل في الصحيفة لا يردد عبارة: "أبو عبدالله صاحب معروف". نعم أنا واحد من هؤلاء الذين يحملون معروف تركي السديري، وأحد خريجي مدرسته، حين حضرت للصحيفة وعمري 18 عاماً بعد الثانوية، ومنحني فرصة مواصلة دراستي حتى حصولي على شهادة الدكتوراه في الصحافة، وحظيت بثقته في مواقع العمل والمسؤولية منذ وقت مبكر، وساهم في تكويني المعرفي والفكري. لقد علّمنا تركي السديري كيف نحافظ على سياسة تحرير صحيفتنا وهي تلتزم في إطارها العام بالسياسة الإعلامية للمملكة، والتنظيمات الأخرى التي تحتكم إليها وتوجه مسارها، حيث علّمنا كيف نتخلى عن أساليب الإثارة والجدل، والتعجل في بناء المواقف والتوجهات أثناء التعاطي مع القضايا والأحداث المثارة، والالتزم في مقابل ذلك بقيم المصداقية في توثيق المعلومات من مصادرها، والموضوعية في عرض الحقائق دون تحيّز، والدقة في ذكر الحقيقة كاملة دونما حذف يخل بسياقها، مع إتاحة حق الأفراد والمنظمات في الرد والتصحيح. لقد علّمنا تركي السديري قيم الالتزام بمسؤولياتنا المجتمعية في التضحية بالسبق الصحفي مقابل الحفاظ على قيم المجتمع وثقافته، والابتعاد عن الموضوعات التي تثير حساسية بين أفراده، أو تلك التي لا تشكّل ظواهر اجتماعية، وأيضاً علمنا مسؤولياتنا القانونية في عدم إثارة النقد غير المبرر للأفراد والمؤسسات، ومسؤولياتنا الأخلاقية في عدم انتهاك خصوصية الآخرين. لقد كسبت سياسة تركي السديري المتزنة والمنضبطة بالقيم والمسؤوليات ثقة القارئ والمسؤول والمعلن معاً، وهو التحدي الذي ظفرت به "الرياض" عن غيرها، ولا تزال، ومنح الثقة لمحرري الصحيفة في جميع الأقسام، واعتبر كل محرر بمثابة رئيس تحرير قادر على تحديد ما ينشر وما لا ينشر من مواد صحفية، وتحمل مسؤولياته المهنية والقانونية أمام القارئ والمجتمع، وهو ما أظهر أسرة تحرير "الرياض" كياناً فريداً في تعاونه، وانسجامه، تجاه ما يتطلبه العمل اليومي. تركي السديري وهو يعلن استقالته من رئاسة التحرير بعد 41 عاماً من العطاء، والإنجاز؛ سيبقى معنا لأنه قريب من كل واحد منّا، ولن نتخيّل غيابه، أو حتى ابتعاده؛ لأن من يعرف تركي السديري يعرف أن المناصب والمسميات لن تغيّر من حالة عشقه لصحيفته، وتقديره لزملائه، وهو الذي دائماً ما يراهن عليهم، ويفتخر بهم جميعاً.