تقول رواية أحداث ما يسمى بـ«الكساد العظيم»: إنها بدأت في الولايات المتحدة الأميركية وسوق الأصول المالية في 1929، وكان الرئيس الأميركي يومها «هوفر» منتشياً برواج الاقتصاد الأميركي إلى حدود الهوس، هذا الهوس شمل بعض كبار المتعاملين في السوق الأميركية، على رغم كل المؤشرات والتحذيرات بوقوعها. وعندما انفجرت الأزمة لم يكن تقدير «هوفر» صحيحاً، بل كان خطراً، لأنه أدى إلى التقاعس الشديد عن مواجهتها، حتى حين انتقلت إلى المرحلة الثانية، وأصابت القطاع المصرفي، وبدأت عملية الاصطفاف الشعبية لسحب الودائع من المصارف. صاحبت تلك الأزمة أزمة فقدان الثقة الكبيرة، وتوقف الدم عن الجريان في شرايين الاقتصاد الأميركي، وبحلول 1933 كانت إصابة الاقتصاد الحقيقي عميقة ومؤلمة بل قاتلة، حين فقد الاقتصاد الأميركي قياساً بالناتج القومي الإجمالي «ثلث حجمه»، وارتفع معدل البطالة إلى 25 في المئة، وهبطت الأجور الإسمية إلى من ظلوا يعملون بنحو 42 في المئة، وهو أسوأ ما أصاب اقتصاداً رئيساً بالعالم في التاريخ الحديث، «انتهت رواية ما حدث». يقول صديق وهو أحد ملاك وكالات السيارات في المملكة، إن صدمة عنيفة أصابت سوق السيارات المحلي، فقد انخفضت معدلات البيع في وكالته «على سبيل المثال» من 5000 إلى 700 سيارة «شهرياً» خلال الأشهر الستة الماضية في مدينة واحدة، مشيراً إلى أن ما أصابه حدث ما هو أسوء لبقية الوكالات. ما يرويه صديقنا يقوله أيضاً تجار المجوهرات والساعات الثمينة إضافة إليهم تجار العقار، إذ أصيب سوقهم بالعزوف نفسه عن الشراء من المستهلك خلال العام الميلادي الحالي. ويعطي ذلك العزوف عن الاستهلاك مؤشرات مقلقة عن دخول السوق في مرحلة ركود مفاجئة، أعقبت ضخاً مالياً حكومياً هائلاً في مشاريع تحسين البنية التحتية التي استمرت خلال الأعوام الثمانية الماضية. بالتأكيد ما حدث لأولئك التجار كان سابقاً لبداية الحملة التصحيحية للعمالة المخالفة، وهو ما يعني أنها لم تكن سبباً مباشراً فيها، لكن المقلق أنها قد تعمق المخاوف بإسهاماتها في ضرب شرائح سوقية أخرى، لعل من أهمها سوق البناء وكل الخدمات المرتبطة به، وهو ما قد يؤدي إلى كساد سعودي عظيم. ويأتي السؤال الصعب، ما الذي تسبب في هذا الركود؟ وهل سينسحب على معظمها أو جميعها لاحقاً أم أنه لا يعدو كونه رد فعل للمستهلكين السعوديين من ارتفاع أسعار السلع غير الضرورية أو التي يمكن استبدالها بسلع مستعملة أقل كلفة؟ بل ويتبعها سؤال آخر أهم، هل ستسهم الإجراءات الهيكلية العميقة لسوق العمل التي طاولت في معظمها شريحة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تعميق ذلك الركود، وهي المحرك الأول لأي سوق والمساهم الأكبر في أي ناتج قومي محلي، وهو ما دفع الآلاف منها إلى توقيف نشاطها أو الانسحاب من السوق نهائياً، بعدما رفعت كلفة العمل عليها، وتم تعقيد إجراءات نشاطها. كل تلك الأسئلة مشروعة ومتاحة في ظل ما يمكن أن يطلق عليه «طفرة النخبة» التي جاءت بسبب ضخ مالي تاهت سبله، وتكوم في بضعة «جيوب»، الأمر الذي لم يسمح بنزول المال من الأعلى إلى الأسفل كما كان الحال في الطفرة الأولى. وكنتيجة لذلك، نجد أن السيولة المالية انكمشت من أيدي الأسر المتوسطة والفقيرة، ولم تعد كافية لتلبية الحاجات الأساسية للحياة اليومية، الأمر الذي دفعها إلى التخلي عن سلوكيات الرفاه والاكتفاء بالضروريات. ما سبق يدفعنا إلى سؤال وزارات المالية والاقتصاد والتخطيط والعمل، هل تعلمون؟ وإذا كنتم تعلمون، ماذا ستفعلون؟ محمد الساعد [emailprotected] @massaaed رابط الخبر بصحيفة الوئام: هل نحن على أبواب كساد عظيم؟