مرت ثلاثة أسابيع فقط منذ وصول ياسين سعيد، الطالب الإماراتي، إلى دلهي ليتابع دراسته في الهندسة بجامعة أميتي نويدا الهندية الواقعة على مشارف العاصمة نيودلهي، قبل حلول شهر رمضان، وهي المرة الأولى التي يصوم فيها بعيدا عن وسائل الراحة في وطنه. ولحسن حظه، فقد استمتع بضيافة زميله المسلم في الدراسة خلال اليوم الأول من رمضان الذي بدأ في الهند في 19 يونيو (حزيران). ويقول ياسين البالغ من العمر 20 عاما: كنت متحيرا، فقد بدأت عائلتي في الوطن الصوم في يوم 18 يونيو، بينما أعلن العلماء هنا في الهند أن الصيام يبدأ في اليوم التالي. وبعد اتصالي مع أمي، قررت الالتزام بالتوقيت الهندي للصوم. ورغم أنني أمكث في المدينة الجامعية هنا، فإن زملائي عرضوا أن يأتوا بطعام مطهو في المنزل لأجل الإفطار، لقد كان موقفا مؤثرا للغاية؛ إذ إنها المرة الأولى أعيش فيها مع غير المسلمين هنا، ولقد فوجئت بمدى تفهمهم للحساسيات الدينية ما بيني وبينهم. ولفت حلول شهر رمضان والطبيعة متعددة الثقافات والحالة الوجدانية الرائعة لمدينة دلهي وسكانها، حتى غير المسلمين منهم، انتباه الكثير من الطلاب العرب من الشرق الأوسط. وأكثر من أي شيء آخر، ينجذب الطلاب الأجانب صغار السن للحياة الليلية للمدينة المميزة لهذا الشهر الفضيل. ويقول ياسين: إنها تبدو وكأنها مدينة مختلفة تماما. تظل المتاجر مفتوحة لأوقات متأخرة من الليل. والمواصلات ليست مشكلة على الإطلاق، حيث تتوافر الحافلات حتى ساعات المساء المتأخرة. والمنطقة بجوار مسجد جام هي المفضلة بالنسبة لي للإفطار، كما أنني أشتري طعاما للسحور لتناوله في غرفتي بالمدينة الجامعية. وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من الجامعات الهندية في دلهي، وحيدر آباد، وبون، وبنغالور، وأخيرا جامعة لافلي في إقليم البنجاب، تعد وجبات إفطار طعام للطلاب. وتجدر الإشارة إلى وجود عدد كبير من الطلاب الدوليين في جامعات جاميا ميليا وجامعة جواهر لال نهرو. وفي حين أن غالبية الطلاب في جاميا ميليا يأتون من البلدان الإسلامية، إلا أن أعدادهم أقل في جامعة جواهر لال نهرو. وقبل أن يبدأ شهر رمضان الفضيل، تتشكل لجنة من الطلاب المسلمين في كل نزل من منازل الطلاب لتتولى الوقوف على مختلف الترتيبات طوال شهر رمضان، حيث يقول دينيش براسين رئيس رابطة الطلاب الأجانب: يعمل الطلاب في الغالب على تنظيم كل شيء في جامعة جواهر لال نهرو، حتى إن الإدارة قلما تتدخل في الأمر. ويقول حفيظ الله سعادات، وهو من طلاب جامعة جواهر لال نهرو: نقوم بجمع 2500 روبية من كل شخص ونشتري بها الطعام للإفطار. وحفلات الإفطار كما نحب أن نسميها، يجري تنظيمها من خلال الطلاب أنفسهم، الدوليين والهنود، وكل من يرغب في الحضور مرحبا به، وهناك الكثير من الطلاب غير المسلمين يشاركوننا ذلك أيضا. إلا أن الكثير من الطلاب القادمين من الشرق الأوسط يفضلون تجهيز وجبة السحور بأنفسهم. وتنظم الطالبة اللبنانية نجوى التي تقضي رابع شهر رمضان لها في نيودلهي مجموعة خاصة من الطلاب لأداء الصلوات وتناول الإفطار معا. وتقول نجاة قيصر، وهي شريكة نجوى في الشقة التي يعيشون فيها: إننا نعيش في نفس الشقة ونفضل الطهي في المنزل؛ لأن تناول الطعام في الخارج يستهلك الكثير من الوقت الذي نقضيه في الصلاة والتعبد، ربما مع اقتراب الشهر من نهايته نفكر في الخروج لتناول الإفطار في الخارج؛ إذ إن البعض من أصدقائنا غير المسلمين يتطلعون لمشاركتنا في حفلات الإفطار الجماعية. أما الطالب اليمني فواز الناشف فيشير إلى مأكولات شهر رمضان، مثل الفتة أو المهلبية، التي تعتبر من الأساسيات في وجبة الإفطار. ويجب أن تنتهي كل وجبة سحور بكوب من اللبن المحلى بالعسل والتمور. ولكن الطالب متين وأبو بكر، وهما من العراق ويعيشان بالقرب من دلهي القديمة، فهما يفضلان الذهاب إلى المدينة القديمة لتناول أكلات هندية مثل البرياني والكباب بعد كسر صيامهما على الفواكه، مما يضيف إلى ذلك المناخ الاحتفالي للشهر هناك، إلا أن ذو الفقار طالب الدراسات العليا العراقي، فيصر على الالتحاق بعائلته لقضاء رمضان والعيد معهما. ولكن هذا العام ونظرا للاضطرابات الشديدة التي تشهدها بلاده لم يتمكن من العودة لوطنه. ويقول: إنه أول رمضان أقضيه بعيدا عن عائلتي، كانت أمي معتادة تحضير طعام السحور والإفطار لنا، أما هنا فعلي الاعتماد على الطعام الهندي الحار، الذي لا يعجبني كثيرا. غير أن أولئك الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عاما يحبون إنفاق الأموال للزكاة. وقد قرروا تخفيض نفقات السفر والأكل بالخارج توفيرا للأموال لصالح الأعمال الخيرية. يقول الطالب ربيع من مسقط: أعمل في وظيفة بدوام جزئي مترجما للغة العربية خلال شهر رمضان، وسوف أتبرع براتبي منها للأعمال الخيرية. ومثالا لذلك، احتفظ الطالب سميح بنصف أمواله المدخرة، التي تلقاها من والده لشراء الملابس الجديدة لأجل الأيتام في دار دلهي للأيتام. ويقول الطالب أبو منصور الذي يدرس في جامعة جاميا ميليا في دلهي: نذهب في إحدى الليالي خلال الشهر عبر المدينة لنوزع الهدايا على المحتاجين. أما بالنسبة لصالح، فإن أفضل مكان لقضاء شهر رمضان في الهند يكون في ولاية حيدر آباد، التي يسميها موطنه الثاني. كان عليه القدوم إلى دلهي لقضاء شهرين من فترة التدريب الإلزامية، وبالتالي فإنه يفتقد رمضان في حيدر آباد، التي يقول عنها إنها أفضل كثيرا من موطنه ذاته، حيث يعيش أخوال صالح في حيدر آباد. وفي حين أنه يقيم في شقة مستقلة، إلا أنه في شهر رمضان يصر على الذهاب إلى خاله وتناول الهريسة، والقهوة العربية، تماما كما يحدث في وطنه. هناك مطعم للطعام الشرق أوسطي يسمى تولي تشوكي في حيدر آباد يقدم أفضل الأطعمة العربية مثل الشاروما، والمطبق، والدجاج المشوي، والكباب، وكبسة اللحم، من بين أطباق أخرى. وليست الأطعمة فقط، حيث تتفوق مدينة حيدر آباد على دلهي عندما يتعلق الأمر باحتفالات العيد، التي تستمر لثلاثة أيام أكثر بهجة وفرحة من أي مدينة أخرى. أما مطاعم عسل حيدر آباد، بجانب كونها مقصد الناس من مختلف المجتمعات والأديان، فإنها مكان للرواد من الشرق الأوسط كذلك، ويعتبرونها مكانا خاصا بهم. سواء كان ذلك للتطابق بين الثقافات، أو الجذور العائلية العميقة، فإن المدينة القديمة لا ينتهي سحرها أبدا بالنسبة لأولئك الناس. ومع آلاف الطلاب من دول مثل السودان وسلطنة عمان وسوريا المهاجرين في كل عام إلى الجامعات في حيدر آباد، فهم لا يتصلون بالروابط الأكاديمية فحسب، بل وروابط الدم كذلك مع المدينة التي تجذبهم إليها. يعتقد الكثير من أولئك الطلاب أن سحر الأطعمة والمأكولات الرمضانية هو أعظم ما يمكن الاستمتاع به على نواصي الشوارع مع الأصدقاء عبر مساحة من الأحاديث الصاخبة. يقول الطالب شميم الذي يحب أن يتناول طعامه في أماكن مثل مدينة دلهي القديمة مع ذاكر النجار الذي قلما تمر عليه ليلة هادئة في رمضان: الآن، اعتدت تناول الطعام الهندي الحار، مع أنه كان أمرا عسيرا في بادئ الأمر. يقول الطالب زبير الإسلام: تعتبر مستويات الرطوبة عالية بصورة غير مريحة في الهند، ولها أوقات صعبة للغاية هناك. ولكي أكون أكثر أمانا، أحاول تجنب تناول المشروبات غير الصحية في الأماكن العامة، حيث لا أدري مستوى النظافة في تلك المشروبات. ورغم ذلك، فإنني أحب شرائح اللحم ولحم الضأن (المطهو مع الأرز والعدس).