×
محافظة المنطقة الشرقية

كشافة الأندية ترصد مواهب دورة الدبل

صورة الخبر

تمسك شركات الدواء المتعدّدة الجنسيّة بالدور الأهم في صناعة الدواء عالميّاً، وهو العمل على ابتكار عقاقير بمساعدة الجامعات والمعاهد البحثيّة. إذ ظهرت أولى الشركات الكبرى في منتصف القرن الـ19، وأعقب ذلك ابتكار أول دواء معدّ استناداً إلى جزيء كيميائي، هو الـ «كلورال هايدرات» في 1869 لاستخدامه كدواء مهدّئ، ما زال يتداول في بعض البلدان حتى الآن. بعدها، بدأت رحلة صعود تلك الشركات عبر تكثيف البحث العلمي. وبلغ الأمر ذروته في العقود الأخيرة من القرن العشرين، مع ملاحظة أنّ عجلة المنافسة ما زالت على أشدّها. ويستغرق ابتكار دواء ما فترة يتراوح متوسّطها بين 7 و10 سنوات قبل طرحه في الأسواق، فيتوجب على الشركات الكبرى تمويل عدد من البحوث غالباً قبل التوصّل إلى ذلك العقار، ما يعني أن النجاح في ابتكار دواء يترافق مع وجود مجموعة من أشباهه، لكن الأخيرة تفشل أثناء مراحل الاختبارات الإلزاميّة. وتبدأ الاختبارات في أطباق المختبر، تليها مرحلة فيها تجارب متنوّعة على حيوانات المختبر، قبل الانتقال إلى مرحلة التجارب البشريّة المحدودة، ويليها نيل الموافقة على صنع الدواء تجاريّاً وطرحه في الأسواق، مع استمرار المراقبة العلميّة حتى بعد تلك المرحلة. وماليّاً، يتطلّب الأمر إنفاق مبالغ طائلة قبل الحصول على حق إنتاج الدواء، مع حصول الشركات على حقّ حصري في إنتاجه لـ20 عاماً، قبل أن ينفتح باب المنافسة الفعليّة لذلك الدواء. بعيون مصريّة كيف تبدو تلك الصورة في مصر ومجموعة من الدول النامية التي تجمع بينها حراجة وضعها اقتصاديّاً وماليّاً؟ في مصر، بلغ حجم سوق الدواء في 2014 قرابة 36 بليون جنيه (كان الدولار حينها قرابة 6 جنيهات)، تحصل الشركات المتعدّدة الجنسيّة التي تصنّع أدويتها داخل البلد على قرابة 60 في المئة منها في ذلك العام نفسه، بعد أن تراوح المعدّل عينه بين 50 و55 في المئة في 2013. وتربّعت شركة «غلاكسو سميث كلاين» على المركز الأول في السوق المصريّة، تليها «نوفارتس»، فيما توزّعت المراكز العشرة الباقية على شركات عالمية ومحليّة. وتضمّ مصر 120 مصنعاً للدواء، كما تبلغ صادراتها الدوائيّة قرابة 330 مليون دولار سنوياً، يذهب معظمها إلى دول عربيّة على رأسها العراق ويليه (بالترتيب) السودان واليمن والسعودية والإمارات. وتتجه نسبة ضئيلة من صادرات مصر من الدواء إلى دول أوروبية كرومانيا وتركيا، وفق تقارير أعدت معظمها مؤسّسة «إم آي أس» MIS، المصدر العالمي لمعلومات أسواق الصيدلة وتحليلاتها. وبعد انقضاء المدة القانونية للحقّ الحصري للدواء، تستطيع الشركات المنافسة إنتاج بدائل تحتوي على المادة الفعّالة نفسها التي تُسوّق بأسماء تجارية جديدة. وتساهم المنافسة في خفض كلفة الدواء. ويتّبع ذلك النظام عالميّاً، لكنه يثير أيضاً مسألة علميّة تتعلق بمفهوم «التعادل الحيوي»، بمعنى أن الدواء المُنافس يجب أن «يتصرّف» في جسم الإنسان كأنه الدواء الأصيل في المناحي البيولوجيّة كافة، وذلك وفق تعريف «المكتب الأميركي للغذاء والدواء». وتتحكّم في «التعادل الحيوي» مسائل تشمل نقاء المادة الفعّالة، والتركيبة الكليّة للدواء، وجودة التصنيع ودقّته وغيرها. هناك دول تضع شروطاً رقابيّة مشدّدة على الشركات المنتجة للأدوية البديلة، فيما تمنع بعض البلدان إنتاج بدائل لأدوية تتقرب فيها الجرعة الفعّالة من تلك المُسبّبة للتسمّم. ومثلاً، تمنع أستراليا إنتاج بدائل لأدوية الـ «ديجوكسين» و «فينتوين» المستخدمين (بالترتيب) في علاج أمراض في القلب ونوبات الكهرباء في الدماغ. ونتيجة تدني الإنفاق على البحث العلمي في مصر، نظراً لضخامة التمويل المطلوب لابتكار الأدوية، تعجز شركات الدواء المصريّة عن منافسة الشركات الكبيرة المتعدّدة الجنسيّة، على غرار الحال في كثير من دول العالم الثالث. وتعتمد مصانع الدواء المصرية على قدرتها في إنتاج تركيبات صيدلانية من مواد فعّالة سبق إعدادها في دول أخرى. وهناك مصانع تحاول الحصول على تصاريح لصنع منتجات هي المُعادِل الحيوي لعقارات أنتجتها الشركات الكبرى، وذلك بعد انقضاء مدّة الإنتاج الحصري. وثمة مصانع تشتغل على التركيب الأصلي في أقسام البحث والتطوير، سعياً لابتكار تركيبة صيدلانيّة مختلفة عن دواء موجود فعليّاً. أدوية «نحن هنا»! هناك من يشير إلى تسمية («أدوية نحن هنا» Me too drugs) لوصف مزاحمة العقاقير البديلة للأصليّة، كما من المستطاع تسميتها تجاوزاً «أشباه الكيمياء»، وهي عبارة عن جزيئات تشبه تركيبة العقار الأصلي باستثناء اختلافات طفيفة في الصيغة الكيميائية، لكنها تحمل تأثيراً ومُعامل الأمان نفسه المعتمدين من «منظمة الصحة العالمية»، كالدواء الأصيل. تتميّز تلك الأدوية بأنها أقل كلفة، وتستطيع اقتحام السوق حتى قبل انتهاء المدّة القانونية التي تتمتع بها الشركة الأم، لأن القوانين لا تمنع ظهور عقاقير تتضمن اختلافاً طفيفاً في التركيب الكيميائي، طالما أنّه ينجح في تحقيق المُعادِل الحيوي نفسه، وفق ما جرى شرحه أعلاه. ومثلاً، وافق «المكتب الأميركي للغذاء والدواء» على إنتاج ثلاثة عقاقير من نوع «أشباه البدائل الكيميائية» لأحد أدوية علاج الارتفاع في الكوليسترول، بعد 9 سنوات من ظهور العقار الأصلي، ومن دون انتظار انتهاء الترخيص الحصري للدواء الأصلي الممتد لـ20 عاماً. وبديهي القول أن إدخال تعديل على تركيبة دواء معروفة، يكون أقل تكلفة من اكتشاف ذلك الدواء الأصلي. ومن المفترض أن يحفز ذلك كثيراً من الشركات الصغيرة نسبياً على إنتاج أدوية «شبيهة»، طالما أنها سوف تنال ترخيصاً، وطالما أن تلك «الشبيهة» هي فعّالة ومأمونة، كالدواء الأصلي. في المقابل، يحجم كثير من شركات الأدوية في مصر والدول العربيّة عن تلك المحاولة الجريئة، ربما لتخوّفه من الاضطرار إلى الإنفاق على مرحلة التجارب على البشر، أو ربما لنقص التشريعات اللازمة في ذلك الخصوص. وهناك من يرى أن الأمر يتعلّق بطبيعة رجل الأعمال مصريّاً وعربيّاً، بمعنى الاهتمام باستثمارات لا تتضمّن مجازفات، خصوصاً عندما تأتي من الاستثمار في بحث علمي يحمل منطقيّاً احتمال النجاح والفشل سويّة