تترقب الصالات الأميركية الشهر المقبل إطلاق فيلمين على الأقل عن عملية تصفية زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وعرض الفيلمين يتزامن مع أسبوع الانتخابات الرئاسية الأميركية. لا شك أن موعد العرض محبك قدر إنتاج الفيلمين اللذين أشرف على إنتاجهما نخب سينمائية توافرت لهم بالإضافة إلى الحرفة التقنية تسريبات سرية تتعلق بعملية مراقبة وقتل بن لادن، وهي تعلن لأول مرة في الفيلمين.إنها أفلام تعيد لأذهان الناخبين الأميركيين المتوجهين للاقتراع إنجاز الرئيس باراك أوباما الأهم، وهو القضاء على بن لادن. وللحقيقة، فقد ابتذل مقتل زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن مرارا وتكرارا من خلال الإفراط في التمجيد لقتله الجسدي بعد أن كان الرجل قد انتهى عملانيا. فماذا سيضيف اليوم فيلم سينمائي أو أكثر على الدعاية الأميركية في القضاء على قاتل من زمن انقضى؟!بن لادن في السينما الأميركية ما زال صريعا، لكن يبدو أن اللحظة ليست سينمائية ألبتة، ولن تعيد المؤثرات البصرية والسمعية جثته من قلب البحر.لقد مات أسامة بن لادن عدة مرات..مات حين تيقن كثيرون من الغربة التي يعيشها الرجل وسط الجبال على حدود أفغانستان وباكستان وعزلته عما يحصل في العالم..مات حين أحرق التونسي محمد البوعزيزي نفسه مقدما مثالا مغايرا لانتحاريي بن لادن وموتهم العبثي..ومات جسديا حين قتلته فرقة كوماندوز أميركية قبل أن تلقي بجثته في البحر، ولعل هذه الخاتمة، أي رمي جثته في البحر، هي اللحظة السينمائية الوحيدة التي رافقت عملية قتله.لكن هناك من يريد أن يبقي بن لادن ولو جثة للتلويح بها. فالعناد في محاصرة سلمية ومدنية الثورات العربية، وخصوصا في سوريا، هو سعي حثيث للقول إن «القاعدة» ليست خيالا. أليس هذا ما يتبدى في سعي النظام السوري لمحاصرة الطابع السلمي للثورة في حين لم تنجح الثورات الأخرى في القضاء تماما على احتمالات عودة العنف الأصولي؟! إنها محاولات لإبقاء شبح بن لادن و«القاعدة» وسيلة ترهيب لنا وللغرب بالواسطة.الأرجح أن حياة بن لادن والدماء التي أراقها بطرق جنونية قرابة العقدين، وعيشه الغامض وسط الجبال وخطاباته التي كان يتابعها الملايين عبر الشاشات وهو جالس القرفصاء في كهوف أفغانستان يملي فيها على المسلمين ما يتوجب عليهم فعله بالكفرة، لعل تلك التفاصيل في حينها كانت أكثر سينمائية من الفيلمين المزمع إطلاقهما في الصالات الأميركية.في السينما الأميركية تلوح جثة بن لادن بصفتها إنجازا في حين تولى نجاح الربيع العربي في تحطيم أيقونة الإرهاب العالمي ودرتها أي بن لادن. ويبدو أن الاستنكاف الدولي عن دعم الثورة في سوريا ينطوي على رغبة في تأبيدنا في صورة رجل الكهف، ذاك الذي قتله محمد البوعزيزي..* نقلا عن "الشرق الأوسط" السعودية ** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.