يبدو أن الوقت قد حان، الآن وقبل أي وقت مضى، لأن نُدرك بل نتيّقن بأن وطننا العزيز بكل ترابه وإنسانه ومقدراته وثرواته، مستهدف من قبل الكثير من الدول والنظم والدوائر والجماعات. ما حدث قبل يومين بالطائف، وقبلها بعدة أسابيع في القديح والدمام، وغيرها في فترات وأماكن مختلفة، يؤكد بما لا يدع للشك بأننا مستهدفون في أمننا واستقرارنا وتنميتنا، سواء عبر استهداف رجال الأمن الذين يسطرون ملحمة بطولية رائعة في الدفاع عن هذه الأرض العزيزة، أو عبر استهداف الأبرياء والآمنين والمصلين في بيوت الله. إن مثل هذه الاعتداءات الآثمة والسلوكيات المشينة التي يحملها أصحاب الفكر الضال، لن تزيدنا إلا صلابة وقوة وتمسكاً بوحدتنا الوطنية، والتي تُمثل خيارنا الوحيد، بل هي الضمانة الأكيدة لحاضر ومستقبل هذه الأمة القوية. السؤال المهم هنا: كيف نُحصّن مجتمعنا الوطني من كل مظاهر النزاع والشقاق والخلاف التي تؤدي إلى نشوء مثل هذه الثقافات والتصرفات الغريبة على مجتمعنا المسالم؟ أعرف أنه سؤال طويل ومعقد وملتبس، ولا يمكن الإجابة عنه في مساحة محدودة كهذه. أيضاً، أود أن أشير لنقطة مهمة قبل البدء في الدخول في عمق هذا المقال، وهي عدم التطرق للعوامل الخارجية التي كان لها الدور الكبير في صنع ظاهرة الإرهاب والعنف والتوحش، لأنها في غاية الأهمية والخطورة والتأثير، وتحتاج لمقال يُخصص لها بالكامل، ليُقارب العلاقة الوطيدة والمشبوهة التي يرتبط بها الإرهابيون والتكفيريون مع بعض الدول والنظم والجماعات الخارجية. أعود للفكرة الرئيسية لهذا المقال، وهي محاولة تحصين مجتمعنا بكل مكوناته وتعبيراته وفئاته، لاسيما الأجيال الصغيرة والشابة، من هذا الفكر المنحرف الذي ينتهج العنف والقتل والتوحش مع كل من يختلف معه، دون مراعاة لدين أو ذمة أو عرف أو خُلق. هناك الكثير من الأفكار والمبادرات والإصلاحات والحلول التي يمكن لها أن تحد من هذه الظاهرة التي أصبحت تُسيطر على مساحات وقناعات كبيرة في العالم، فهي الآن وبكل أسف، ظاهرة كونية بامتياز. لدينا قائمة طويلة من المجسّات والتحليلات والمقاربات التي يمكن لها أن تكشف عن الأسباب الحقيقية التي أدت لنشوء هذا الفكر الإجرامي الذي بات مصدر خطر على كل العالم. التراث والمناهج والمنابر والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى الجهل والفقر والبطالة وتنامي منسوب الضياع واليأس والإحباط لدى شباب العالم العربي والإسلامي، كل ذلك مهد لبروز هذه الظاهرة التي يُعاني منها العالم بأسره. إن محاربة هذه الظاهرة الخطيرة التي تتمدد في كل الاتجاهات والمستويات والقناعات، لن يُكتب لها النجاح، إلا بتبني أربع سياسات رئيسية: الأولى، معرفة وتشخيص هذه الظاهرة دون محاولة الالتفاف والمزايدة والهروب. الثانية، وجود الرغبة الحقيقية للقضاء عليها، وهذا ما نلمسه بالفعل. الثالثة، القدرة على مواجهة هذا الفكر الشاذ، وذلك باستخدام كل الوسائل والأساليب التي تضمن حسم تلك المواجهة الشرسة. الرابعة، الاستمرارية والجهوزية لأن هذه الظاهرة الخبيثة كالأفاعي التي لا يُعرف عدد رؤوسها. في مثل هذه الظروف الاستثنائية التي يمر بها وطننا العزيز، والذي يُحارب بفتح وكسر الراء على أكثر من جهة وجبهة، لابد لنا جميعاً بكل أطيافنا وطوائفنا وتعبيراتنا أن نقف صفاً واحداً ضد كل من يُريد النيل والعبث بوحدتنا الوطنية التي بناها الآباء والأجداد عبر عقود طويلة. ليكن شعارنا الذي ترفعه حناجرنا، بل قلوبنا النابضة بحب هذا الوطن الغالي: "وحدتنا سر قوتنا"..