الدوحة - سميح الكايد: بينما تجري محاولات عزل روسيا ومعاقبتها بسبب الأزمة الأوكرانية تضطرّ الولايات المتحدة ومعها حلفاؤها الآخرون إلى فصل مسارات الاشتباك معها، فبينما تجري معاقبتها بسبب تدخّلها في أوكرانيا، تُمَدّ اليد إليها في قضايا أخرى كإيران وسورية وعلى الرغم من أنّ أوباما كان قد وصف روسيا في إحدى المناسبات بأنّها "قوة إقليمية تهدد بعض جيرانها المباشرين من موقع ضعف لا من موقع قوة" فالتعقيدات السياسية الدولية فرضت عليه غير مرة طلب مساعدتها في ملفات دولية عديدة. المعضلة الروسية هذا ما أشارت إليه دراسة للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مشيرة إلى أنه وبسبب ذلك التناقض الناجم من جهة عن الرغبة في تأديب روسيا، والحاجة إلى تعاونها، ستبقى روسيا تمثّل معضلةً حقيقية للولايات المتحدة وعموم الغرب خلال الفترة المقبلة وقد تضطرّ الولايات المتحدة وحلفاؤها الآخرون إلى الإقرار بالمصالح الروسية في أوكرانيا خصوصًا في شبه جزيرة القرم بعد أن جرى تحديد هذه المصالح وضبط وسائل الحفاظ عليها والتطلّع إلى المستقبل بدلا من إعادة بعث حرب باردة جديدة في أوروبا. ضربة موجعة وفي هذا السياق ولتركيز البحث في هذه المسألة المثيرة للجدل تناولت الدراسة قمة مجموعة السبع في ألمانيا والتي عقدت بدون الحضور الروسي الأمر الذي اعتبره مراقبون بأنه ضربة موجعة لروسيا حيث ناقشت القمة بين قضايا عدة -ومنها الحرب ضد داعش- الموقف الروسي من الأزمة الأوكرانية حيث كان للأزمة الأوكرانية والعلاقات المتوترة مع روسيا النصيب الأكبر من نقاشات القمة. القمة الثانية ولفتت الدراسة إلى أن هذه هي القمة الثانية للدول السبع الكبرى التي تُعقد من دون روسيا وذلك بعد أن ألغيت القمة التي كان من المفترض أن تنعقد في منتجع سوتشي الروسي على البحر الأسود على خلفية التدخّل الروسي في أوكرانيا وضمّ شبه جزيرة القرم، لتنعقد بدلا من ذلك في العاصمة البلجيكية حيث قررت الدول السبع طرد روسيا من مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى التي كانت انضمت إليها عام 1998، لتعود المجموعة إلى التسمية التي أخذتها منذ إنشائها عام 1976. جدوى العقوبات ونوهت الدراسة بأن تمديد العقوبات الأوروبية على روسيا التي تنتهي في شهر يوليو الجاري كانت الهدف الرئيس للولايات المتحدة في هذه القمة على الرغم من أنّ العلاقات الغربية- الروسية لا يمكن اختصارها في موضوع العقوبات. وأشارت إلى إعلان أوباما خلال القمة من أنّ قادة الدول السبع سيناقشون "التصدي للعدوان الروسي في أوكرانيا" إذ جاء هذا التصريح وفقا لرؤية المراقبين بمنزلة رفضٍ ضمني لبعض الدعوات الأوروبية القائلة بعدم جدوى تمديد العقوبات المفروضة على روسيا، وفعلًا أقرّ البيان الختامي الصادر عن القمة الإبقاء على العقوبات وتمديدها، لا بل وتشديدها إن وسّعت روسيا تدخّلها في أوكرانيا. تداعيات العقوبات ولاحظت الدراسة أن العقوبات الغربية قد أثّرت سلبيًا في الاقتصاد الروسي؛ فبحسب تقارير اقتصادية، وصلت نسبة التضخم في روسيا إلى 15.8%، وخسرت العملة الروسية، الروبل، 11% من قيمتها في مقابل الدولار في شهر مايو الماضي، في حين انخفض إجمالي الناتج القومي بِـ 4.2 % في أبريل الماضي. في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار المواد الأساسية ارتفاعًا كبيرًا. التهديدات الامريكية كما لاحظت الدراسة في هذا الإطار أن كل هذه الأجواء الملبدة بغيوم التهديدات الغربية الأمريكية لروسيا كانت على ما يبدو بمثابة استعراض لأن العقوبات الغربية لم تُحدث مع كلّ ما تركته من آثار تغييرًا يُذكر على أرض الواقع في أوكرانيا. فروسيا ما زالت تدعم القوات الانفصالية والتي وسّعت سيطرتها في الشرق منذ اتفاق مينسك ولم تظهر حتى الآن إشارات تفيد بأنّ روسيا في وارد التراجع عن ضمّها القرم أو توسيع نفوذها في أوكرانيا. خيارات أخرى وقالت دراسة العربي: يبدو أنّ سياسة حافة الهاوية التي يتبعها الرئيس بوتين تؤتي أكلها عمومًا فإذا لم تحدث العقوبات الاقتصادية التغيير المطلوب في السلوك الروسي فقد تتحوّل لتصبح عامل ضغط على الغرب الذي يترتب عليه حينها أن يبحث في خيارات أخرى مثل تعزيز قوات الناتو في شرق أوروبا وتسليح الجيش الأوكراني بأسلحة دفاعية. لكن تخشى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يؤدي مثل هذه الخطوات التصعيدية إلى حدوث خطأ في حسابات أحد الأطراف فيقود إلى مواجهة إقليمية أو دولية واسعة النطاق وجهات نظر ولاحظت الدراسة أن هناك بعض الاختلاف في وجهات النظر إزاء هذه المسألة بين بعض الحلفاء الغربيين والأمريكان قائلة في هذا السياق بينما أكّد أوباما وميركل ضرورة إيجاد حل دبلوماسي للأزمة حذّر وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند من مخاطر حشر روسيا في زاوية ضيقة. وقال علينا أن ندرك أنّ الروس لديهم شعور بأنّهم محاصرون ويتعرضون للهجوم ونحن لا نريد أن نقوم باستفزازات غير ضرورية إشارات تهدئة ولفتت الدراسة إلى أن الرئيس الروسي بدوره على الجانب الآخر مستمر في إرسال إشارات تهدئة لتفادي أيّ تصعيد عسكري غير محسوب مع إرسال رسائل مبطنة أخرى للتحالف الغربي يرى مراقبون أنها تحمل إشارات عدم مبالاة بتهديدات التحالف الغربي الأمريكي وربما تهديدات بإمكانية توجيه ضربة استباقية تجهض كافة قرارات التحالف الغربي الأمريكي. حل عسكري إلى ذلك قالت الدراسة إضافةً إلى انعدام فرص حلٍ عسكري للأزمة مع روسيا، تبدو الولايات المتحدة وشركاؤها الغربيون في حاجة إلى التعاون الروسي في عددٍ من الملفات الدولية الأخرى؛ فروسيا عضو في مجموعة الـ 5+1 (الولايات المتحدة، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا، والصين، إضافةً إلى ألمانيا) التي تفاوض إيران على ملفّها النووي. وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتمّ دون تعاون روسي مباشر. يضاف إلى ذلك أنّ الغرب في حاجة إلى تعاون روسي في الملف السوري إذ لروسيا تأثير كبير في الرئيس بشار الأسد لافتة إلى أن روسيا هي مَن أقنع الأسد في شهر أغسطس 2013 بالتخلّي عن أسلحته الكيماوية لتجنّب ضربة عسكرية أمريكية. صفقة محتملة ولاحظت الدراسة أنه وعلى الرغم من توتّر العلاقات بين الغرب وروسيا، وقرار قمة السبع الأخيرة بتمديد العقوبات على موسكو، كان من اللافت أنّ تلك القمة ناقشت فكرة صفقة محتملة مع روسيا تقضي بمنح الأسد اللجوء السياسي فيها كجزء من سلة حلّ تؤدي إلى إنهاء الصراع الدامي. ملفات شائكة وقالت في هذا الإطار إن الولايات المتحدة تحتاج أيضًا وحلفاؤها، إلى روسيا في موضوع الحرب على "التطرف" ، خصوصًا ضد تنظيم "داعش" في العراق وسورية فضلًا عن الحاجة إليها في ملف العلاقات الشائكة مع كوريا الشمالية مشيرة إلى أن كلّ تلك القضايا تؤكد أن العلاقة مع روسيا حاجةً غربية كما أنّ العلاقة مع أوروبا هي حاجة روسيّة وهو الأمر الذي اعترفت به المستشارة الألمانية ميركل في ختام القمة بقولها إنّ الدول السبع الصناعية الكبرى ترغب في العمل "جنبًا إلى جنب" مع روسيا فهي "لاعب مهمّ" على الرغم من التوترات المستمرة بسبب أوكرانيا.