إذا كان الإرهاب يُمارس حربه بالتقسيط ،أي بعمليات متباعدة أو متقاربة نسبياً، أو في مناسبات محددة، فإن الحرب المضادة له لن تحقق نتائج حاسمة إذا توقفت عند ردود الأفعال، بحيث ما إن تنتهي طقوس العزاء في المأتم حتى يسدل الستار بانتظار تفخيخ آخر! من هنا فإن أي حرب ضد العنف وتسعى إلى الحدّ منه على الأقل كخطوة على طريق انتهائه يجب أن تكون لها استراتيجية غير موسمية، وتتجاوز ردود الأفعال الآنية، لأن ما يبدو من أعمال العنف متقطعاً أو متباعداً هو ليس كذلك في حقيقته، بل يخضع لاستراتيجية يحكمها التوقيت واقتناص الفرص. والقول المتكرر إن المجابهة الأمنية للعنف تأتي في المرتبة الأخيرة بعد التثقيف والتوعية، والتحصين المعنوي ليس قاعدة ذهبية، لأن قائمة هذه الأولويات ليست مطلقة، وليست وصفة نموذجية لا تقبل التعديل، فعندما تشتد وتيرة العنف وتصبح الدولة برمتها هدفاً لها إضافة إلى الأفراد لا تجابه البندقية العمياء بكتاب أو ديوان شعر أو مذكرات المهاتما غاندي، ويمكن للحرب الثقافية والتربوية والتصدي الأمني أن يتزامن، تماماً كما هي كل الحروب التي يشارك فيها المهندس ببناء الجسور والطبيب بإجراء الإسعافات والجراحات العاجلة، والعاملون في حقل الاتصالات. وقد أصبح واضحاً على نحو حاسم أن العنف عندما ينطلق من عقاله لا يعرف الحدود، وليست له كوابح حتى في الحدود الدّنيا، وخَطَرُهُ يتمدد من اغتيال الأفراد إلى اغتيال الدول والمؤسسات والمفاهيم أيضاً، فهو يتغذى من الفوضى، ويشعر من يخططون له أن استراتيجية الترويع هي الطريق المعبّد والأقصر إلى التطويع والتركيع، لأن الناس يتشبثون بأسباب البقاء، ومنهم من يفضل الحياة جلوساً على الموت وقوفاً، وهذه ليست إدانة لأحد لأن الطبيعة البشرية تنحاز بالفطرة إلى البقاء، وثقافتها ليست ثقافة الموت! إن العنف الذي يبدو لمن لا يسعفهم الخيال يتصورون ما يدور وراء كواليسه وأكماتِهِ مجرد نوبات أو هبّات موسمية، لكنه في الحقيقة وليد استراتيجية وتخطيط لكنه يختار التوقيت المناسب لتقاويمه السوداء! وفي هذه الآونة الحرجة لا بد من إعادة النظر في الأساليب التقليدية لمجابهة العنف، لأنه باختصار لم يعد تقليدياً!