ما من دولة في العالم تجيد صناعة الأعداء الحقيقيين والمتوهمين والمختلقين مثل الولايات المتحدة. لكأنما الدولة الكبرى لا تستطيع الحياة إلا وهي تتحسب لعدو قريب أو بعيد، أو لم يخرج من بطن أمه بعد. الولايات المتحدة مثل التاجر الشاطر لديها قوائم بأسماء الدول حسب تصنيفات: الأعداء، رعاة الإرهاب، مهربو المخدرات، غاسلو الأموال، مجرمو الحرب، منتهكو حقوق الإنسان، مضطهدو الشعوب، مصادرو الحريات الدينية، منتهكو حقوق الملكية الفكرية، ومخالفو القوانين الدولية للحفاظ على الطبيعة. وكل صنف من هذه الفئات هناك أساليب وقواعد وعقوبات للتعامل معه. أصدرت الولايات المتحدة الأربعاء الماضي الاستراتيجية العسكرية الوطنية لعام 2015، واعتبرت فيها روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية والمجموعات الإرهابية (الإسلامية) قوى عدوانية تهدد أمن الولايات المتحدة ومصالحها. حذرت الاستراتيجية من احتمال ضئيل، لكنه متنام، بأن تخوض الولايات المتحدة حرباً مع دولة كبرى، وأن تكون لهذه الحرب عواقب وخيمة. وتذهب الاستراتيجية إلى أن هذه الحرب المحتملة قد تكون مع روسيا أو الصين. روسيا حسب الاستراتيجية الجديدة تظهر على الدوام أنها لا تحترم سيادة جيرانها وأنها مستعدة لاستخدام القوة لتحقيق أهدافها السياسية. وأشارت إلى أن الأعمال العسكرية الروسية تنسف الأمن الإقليمي مباشرة أو عبر قوات بالوكالة. ورغم أن روسيا في صيغة 2011 من الاستراتيجية العسكرية الأمريكية لم تحظ بوصف الدولة الخطر على الأمن الأمريكي، فإن الصين حظيت في الصيغة الجديدة بالمكانة نفسها في الصيغة السابقة. وتشدد الاستراتيجية الجديدة على المخاطر الصينية على أمن ومصالح الولايات المتحدة في منطقة آسيا - المحيط الهادي. رغم أن الصين تمثل أكبر الشركاء التجاريين مع الولايات المتحدة، وبين البلدين حوار استراتيجي، إلا أن واشنطن تعتبر الصين مهددة لمصالحها، أو لمصالح حلفائها في المنطقة الآسيوية الباسفيكية، مثل اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وأستراليا. لعله من المفهوم لماذا تعتبر الولايات المتحدة كوريا الشمالية وإيران دولتين عدوتين لتحديهما الإرادة الأمريكية أولاً، ولتطويرهما قدرات نووية وبالستية قد تهدد الولايات المتحدة أو حلفاءها اليوم أو في المستقبل. وتحذر الاستراتيجية الجديدة من التحديات التكنولوجية المتنامية، التي تعني الدول التي تطور قدرات تقنية وعسكرية تجعل الولايات المتحدة تفقد تفوقها كقوة عسكرية عظمى في العالم. ويشير التقرير بالتحديد إلى انتشار الأنظمة العسكرية التطبيقية التي تتحدى الميزات التنافسية التي كانت على الدوام ملكاً للولايات المتحدة فقط، مثل أنظمة الإنذار المبكر والاستطلاع والضربات الدقيقة التوجيه. الولايات المتحدة لديها جيش بأكبر ميزانية في العالم (600 مليار دولار) وتنتشر قواعدها في البر والبحر في كل إقليم ومنطقة من الكرة الأرضية، فما الذي يجعل الدولة العظمى تخاف وتحذر وتعين الأعداء الصريحين والخفيين والمتوهمين والذين لم يخلقوا بعد. هل صناعة الأعداء مسألة نفسية للإبقاء على الجيوش في يقظة؟ أم أن السلاح إذا لم يستخدم يصدأ، وكارتلات صناعة الأسلحة ستخسر إذا توقفت صناعة الأعداء؟ أم أن الكبير ينظر من علٍ ولا يرى إلا صغاراً وكثير العدو من بينهم. osnim@hotmail.com