في أمسيةٍ رمضانيةٍ جميلةٍ غلب عليها الحديث عن الكرة، لفت انتباهي أحد الأصدقاء بعبارةٍ منطقيةٍ ودقيقةٍ جداً، عندما دار الحديث عن اللاعب السعودي بين الأمس واليوم، حيث قال: اللاعب السعودي في السابق كان المقياس الحقيقي لمستواه المهارة الفردية في ظل غياب الخطط الفنية غير الصارمة، بمعنى أن اللاعب في السابق كان يتمتع بمهاراتٍ فرديةٍ نادرةٍ وراقيةٍ لا تجدها في جيل اليوم، تلك المهارات أبدعت بالفعل في ظل البيئة الرياضية التي كانت تترك المجال مفتوحاً على مصراعيه للإبداعات الفردية، وهذا الأمر كان يتجلى في بعض الأسماء التي كانت تقدم نفسها بشكلٍ كبيرٍ حتى أصبحت مهاراتهم تذكر ولا تنسى، أمثال الأسطورة ماجد عبد الله والنجم الفذ يوسف الثنيان. أما اليوم في ظل اختلاف النسق العام للزمان والمكان أصبح لاعب كرة القدم مطالباً بمهام وخطط صارمة يجب أن يتقيد بها داخل الملعب، ولم يعد الاهتمام بمهاراته الفردية بذات الأهمية التي كان يحرص عليها المدربون في السابق، الذين كانوا يجدون في مهارة النجم طوق نجاةٍ لهم؛ لما يملكونه من قدرات فردية وحلولاً فرديةً تجعل الفريق يقدم نتيجة إيجابية دون النظر إلى المستوى العام للفريق. أما اليوم فاللاعب أمام وضع مختلف، تسيطر عليه خطط لعب جديدة وحديثة تعتمد على الانضباط وتنفيذ ما يطلب منه فقط دون إعطائه مساحة للإبداع والتعبير عن مهاراته الفردية، والمدرب الناجح اليوم هو من لديه القدرة على توظيف مهارة اللاعب في إطار النسق العام لخطة اللعب. وحتى نوضح الأمر بشكل أكثر سهولة، دائماً ما يتردد السؤال الأزلي عبر منابر الإعلام المختلفة: مَن أسطورة الكرة السعودية، أو مَن أفضل لاعب أنجبته الكرة السعودية؟ ويدور الجدل كل ما بزغ نجمٌ جديدٌ في الكرة السعودية، أصحاب الرأي القديم يعتقدون أن ماجد عبد الله هو النجم الأوحد للكرة السعودية، وفي حقيقة الأمر لو جمعنا بين ميزات اللاعب السعودي في السابق في زمن المهارة الفردية مع ميزاته في زمن الخطط والانضباط، ربما نجد ماجد عبد الله هو اللاعب السعودي الوحيد الذي يجيد التعامل مع الشقين والتأقلم مع نوعية الأداء، ماجد كانت لديه المهارات التي كان يعتمد عليها كثيراً في حسم الكثير من المباريات، وأيضاً ماجد كان من أكثر النجوم انضباطاً داخل الملعب في تأدية واجباته كلاعب، بدليل أن ماجد لم يُذكر في مسيرته الكروية أنه اختلف مع مدربٍ، أو رفض أن ينصاع للمهام الموكلة له، بمعنى أن ماجد عبد الله نجح في زمن كانت الموهبة والمهارة هي المقياس، ونجح أيضاً في فترة تغيرت فيها الكرة، بعد أن أصبحت تنفذ داخل الملعب وفق خطط صارمة لا مجال فيها للاجتهاد إلا في جزئيات معينة. الشيء بالشيء يذكر، يوسف الثنيان كان من اللاعبين الذين يملكون مهارات فردية خارقة، لذلك هو كان يتمرد على الخطط الحديثة الصارمة واختلافه مع كثير من المدربين دليل على ذلك. في كرة القدم الفوارق الفردية يصنعها اللاعب نفسه، ومع اختلاف الزمان تبقى الميزة مدونةً له كحقٍّ حصريٍّ له،؛ لهذا من المهم إذا ما أردنا الخوض في حديث عن المقارنات أن نخضع الأمر لكثيرٍ من الجوانب وفق ظروفٍ معينةٍ يحكمها الزمان والمكان، حتى تكون النتيجة عادلةً ومقنعةً للنسبة الأعلى من البشر، أما النقاش دون وضع معايير معينة هو جدل لا فائدة فيه يرتبط غالباً بالميول. فماجد عبد الله كان لاعباً حريفاً وفعالاً، وهاتان الصفتان لا أظنهما في أحد -لا قبله ولا بعده-، وهي في بعض نجوم العالم حاضرة، ماجد حرّيٌف وفنانٌ، كان يبدع ويترك العنان لمهاراته أن تتحكم في أدائه داخل الملعب، وفعّال في نفس الوقت؛ لأنه يؤدي دوره من خلال خطط لها فعاليات تربط جميع أفراد الفريق في إطار النسق العام. لهذا ومن وجهة نظري، ومن باب الإنصاف أن يبقى ماجد عبد الله أسطورة كرة القدم الخالدة في السعودية. رمضان كريم سلطان الزايدي @zaidi161