على جانبي الطريق الدولي الرابط بين مكة المكرمة وجدة، يسكن العشرات الذين أظلمت بهم الحجرات بعد أن رحلوا عن دار الفناء إلى حياة البرزخ وسجيت أجسادهم بطون الأرض على سفح واد، لتحيط بهم سدود التراب التي لن تستطيع الصمود أمام سيل عارم سيكشف حرماتهم في يوم من الأيام. قبور مجتمعة لم نجد لها اسما في قاموس مقابر جدة ضمن موقع الأمانة الإلكتروني، ليطلق عليها العامة مسمى «مقبرة الرحيلي». انطلقت إلى محطة خدمات الرحيلي وهناك سألنا أحد العاملين عن المقبرة، تلعثم وأوجس خوفا، وكأنه يتحدث عن مكان مشبوه يخشى الحديث عنه، وبعد أن انتهى من تفريغ الوقود للمركبة أجاب قائلا «هناك خلف الجبل»، وأشار إلى جهة الشرق باتجاه مكة. وصلنا إلى المنطقة لنجد الطريق إليها مغلقا بفعل أعمال توسعة طريق الحرمين بالمسار الخامس، وبعد بحث عن الطريق استدللنا إلى عبارة لتصريف مياه سيول الأمطار تخترق طريق جدة - مكة المكرمة ويمر بها ملايين البشر ذهابا وإيابا إلى مكة المكرمة زوارا ومعتمرين وحجاجا، وما إن تنفذ من العبارة حتى تجد المقبرة شاخصة أمام الناظرين. حواجز ترابية وقفت وزميلي المصور على القبور، التي تحيط بها حواجز من تراب في كل الاتجاهات، عليها علامات الحداثة الزمنية وكأنها وضعت بعد أن تلاشت مع المطر ومياه السيول الخفيفة والرياح العاتية. تقع المقبرة على جرف واد ليس بكبير ويصدها في الجانب الشمالي عبارة لتصريف المياه يمر بها طريق مسفلت يربط بين الضفتين الشمالية والجنوبية للطريق السريع، ولا يلبث المشاهد لملاصقة المقبرة للعبارة التي يفصل بينهما طريق صغير، حتى يتلبسه شك أن يكون للمقبرة امتداد تحت الطريق السريع، وقد لا يكون. تحية سلام لافتة وضعها محتسبون في مكتب دعوة الجاليات بأم السلم تحمل تحية سلام لأهل القبور، ووقعت باسم المكتب هي الشاهد الوحيد لوجود المقبرة، وبقايا نفايات وأكياس عالقة هنا وهناك لم نستطع إزالتها خوفا من أن ننتهك حرمة الموتى في ظل اختفاء معالم القبور، ولم نستبعد أن تكون طبقة اللحد هشة بسبب تسرب مياه السيول إلى داخل القبور. آثار باقية لأقدام أشخاص دخلوا المقبرة بالرغم من أن حال القبور يشير إلى زمن بعيد لآخر عملية دفن شهدتها المقبرة، وتظل الشكوك قائمة من تعرض المقبرة لأي تجاوزات ونبش للقبور أو حتى الدفن فيها لمخالفي أنظمة الإقامة، أو من ضعاف النفوس في ظل ابتعادها عن الأنظار وكونها مفتوحة المخارج والمداخل من جميع الاتجهات. من جانبه، أوضح المتحدث الرسمي بأمانة جدة محمد البقمي حول استفسار «عكاظ» أنه قد سبق إعداد كروكي للمقبرة ليتم إدراجها بالمرحلة الثانية وتسويرها، فيما تم إرفاق صورة لكروكي يوضح تخطيط المقبرة تمهيدا لتسويرها.