حين قال المولى جل شأنه: «يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذىٰ كالذي ينفق ماله رئاء الناس» فذلك من علمه سبحانه بتكبر خلقه على بعضهم، وبما يحتمل من بغي غني على فقير لأنه أطعمه أو كساه أو ظلله بسقف يؤويه هو وعياله. وقد لاحظت مؤخرا، من مظاهر الأذى في الصدقات، استعراض بعض الأشخاص بأطفالهم وهم يقدمون طعاما أو شرابا لمحتاج كبير أو صغير. ومن الصحف من تتسابق إلى نشر هذه الصور وكأنها فتوحات خيرية غير مسبوقة دون أن تراعي كرامة المرأة أو الرجل المسن أو الشاب المحتاج الذي يأخذ طعامه من يد طفل يبتسم للكاميرا. قد تبدو لكم هذه المناظر، على التلفزيون أو في الصحف، طبيعية لكنها بصراحة مؤذية جدا على اعتبار أن حاجات الفقراء ليست مجال استعراض أو تسلية لك ولأطفالك. الناس، حتى لو كانوا جوعى ويفرحون باللقمة أو الهدمة التي يقدمها طفلك، يودون لو لم تعلم شمالك ماذا قدمت يمينك لأن الكرامة، أيضا، حاجة لا تقل أهمية وقيمة عن أهمية وقيمة الطعام والشراب. الستر، في نهاية المطاف، هو غاية ورجاء كل محتاج يرجو رحمة ربه وعطف عباده، الذين يتصدقون عليه بما تجود به أنفسهم دون أن يكون لهم مطمع من ذكر أو رياء يبطل أجور هذه الصدقات. ولكي نكون واضحين مع أنفسنا فإن هناك الآن من يتباهى بأمواله وقدرته في كثير من الأمكنة والوسائل ويذل المحتاجين والمساكين بما يقدمه لهم من مساعدات إلى درجة أن يسوغ لنفسه أن يبث عطاياه لهم، قليلة أو كثيرة، في كل مكان. ولعلي، من باب حسن النية، أجد لهم العذر بعدم علمهم بأن ما يفعلونه غير صحيح، وأنهم يبثون هذه الصور من باب الإخبار أو التشجيع لغيرهم لممارسة نفس الفعل. لكن ما هو أكيد، وليعلم الجميع بذلك، أن المحتاج يتأذى جدا إذا نشرت صورته وأنت تساعده أو تتصدق عليه. ولن يكون بإمكانك أن تشعر بما يشعر به من مرارة التشهير بفاقته وحاجته. يبقى أن أشير، بتقدير وامتنان بالغين، إلى أولئك الذين ينفقون أموالا طائلة في سبيل الخير والمعروف ولا نعلم أو نعرف عن ما ينفقون شيئا. أولئك هم الذين يفهمون معنى المساعدة أو الصدقة، خاصة من جانبها الإنساني المتعلق بكينونة وكرامة المحتاج.