×
محافظة المدينة المنورة

الدارة ترمم 50 نسخة من المصاحف النادرة

صورة الخبر

في مقهى مزدحم في تونس، جلس يحتسي قهوة اسبريسو شقيقُ جبور الخشناوي، وهو واحد من ارهابييْن قتلا 21 سائحاً في متحف باردو في مارس (آذار) المنصرم. وهو يرى ان ثمة اوجه شبه بين جبور ومجرم الحرب النازي، أدولف آيخمان الذي اعلن انه كان ينفذ الأوامر فحسب. «ومدعاة سخرية مصادفة أن يُجر اخي الى ارتكاب مثل هذه الأفعال وأنا أُعد أطروحة دكتوراه عن التسامح الديني. رهيب!»، يقول طالب الدكتوراه في الفلسفة الذي طلب من المجلة ألا تذكر اسمه الفعلي وأن تسميه محمد. ويوم قُتل كنت اشارك في مسيرة ضد الإرهاب. وشب الشقيقان في الريف، وهما من اولاد مزارع زيتون ميسور الحال. وجبور هو أصغر اشقائه، ولطالما شعر بالعزلة. ففرق السن بينه وبينهم كبير. ولكنه كان سعيداً وعلاماته المدرسية جيدة. «لم يكن ثمة ما نفعله في القرية للتسرية عن النفس. وأحسب ان الإسلاميين حين تقربوا منه عرضوا عليه رؤية جديدة الى الحياة، وصدقهم»، يقول محمد. ولاحظت أسرته تغير جبور. فبدأ يمضي ساعات في الصلاة، وتوقف عن مصافحة الإناث. وكان يمضي ليالي في دراسة الكتاب الكريم، وحفظ عن ظهر قلب نصفه. و»حين شعرت ان ثمة خطباً ما وأن الأمور لا تجري على ما يرام، بدأت اعطي اخي الأصغر كتيبات مخالفة لميوله المتطرفة لعلها تثنيه. لم أمانع أنه متدين. ولكنني لم أرغب في ان يكون متطرفاً يغالي في العقيدة». وفي احد الأيام، اختفى جبور طوال شهرين، والأرجح انه شارك في الأثناء في دورة تدريب عسكري. وجبور الخشناوي كان في الثامنة عشرة من العمر وياسين العبيدي في السابعة والعشرين حين دخلا متحف باردو لملاحقة سائحين من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا وبولندا وغيرها من الدول، وقتلهم. وأردت وحدات النخبة التونسية المهاجميْن. وشأن شطر كبير من التونسيين، كان محمد يتابع نشرة الأخبار على التلفزيون حين أعلنت السلطات اسماء القتلة. ثم شاهد صورة جثمان أخيه والعبيدي في بركة من الدماء. «لا أفهم (ما جرى)، فعلاً لا أفهم». وعدد كبير من التوانسة يسعون الى فهم اسباب انزلاق عدد كبير من الشباب في هذا البلد المتقدم نسبياً والعلماني الذي ولد في مخاض الربيع العربي ديموقراطية طرية العود، الى التطرف والالتحاق بـ «داعش». فتونس ترسل اكبر عدد من «الجهاديين» الى «داعش» في سورية. وتقدر وزارة الداخلية عددهم بنحو 3 آلاف شاب. وقبل الهجوم على المتحف في آذار (مارس) المنصرم، كان الإغضاء عن هذه الإحصاءات يسيراً. وتونس هي وجهة سياحية شعبية على بعد 965 كلم من ايطاليا، والسفن السياحية المقبلة من أوروبا تنقل مئات السائحين اسبوعياً الى هذا البلد وهم متشوقون لمشاهدة إرث آثاره القديمة. واليوم، حين يتجول الزائرون في متحف باردو، يرون ثقوب الرصاص حيث يعرض تمثال إله الخمرة الروماني، باخوس. والهجوم لم يقوض فحسب السياحة، وهي اكبر مصادر العائدات في تونس. فهو حمل التونسيين على مواجهة تعاظم التطرف في مجتمعهم. فعلى سبيل المثل، سعيد (اسم مستعار) مهندس في الخامسة والعشرين من العمر. وتسعة من اصدقائه، وجلّهم من حملة الشهادات الجامعية، التحقوا بـ «داعش». ومعظمهم لم يصدق تقارير عن ارتكاب «داعش» جرائم رهيبة، على غرار قطع الرؤوس وخطف الأقليات. «قالوا إن هذا الكلام يعود الى بروبغندا غربية ضد المسلمين. وأسباب انتسابهم الى داعش متباينة. فمنهم من غرّر به وقيل له انه سيلقى حياة أخاذة في الرقة (عاصمة «داعش») وأن في متناوله الزواج بنساء جميلات، وأن الحياة هناك أيسر وأن النجاح في انتظاره». يسكت سعيد عن الكلام قبل أن يستأنفه:» ثم يصلون الى هناك، ويرون الجحيم بأم العين. ولا أستطيع وصفهم بالمتدينين. و«ضغوط» الحياة نتيجة غياب فرص العمل والافتقار الى الأمل في حياة أفضل، حملتهم على اللجوء الى الدين بحثاً عن سلوان يذهب الحزن والكدر في محنتهم. ويقول سعيد ان المال ربما هو عامل من عوامل الالتحاق بـ «داعش». «يقال ان بعض الكتائب تدفع مبالغ مجزية، وأنهم يتقاضون ألف دولار شهرياً». وتشير الإحصاءات الرسمية التونسية الى ان نسبة البطالة تبلغ 15 في المئة. ولكن سعيد الفرجاني، مسؤول في حزب «النهضة»، يرى انها أقرب الى 20 أو 25 في المئة. وتبلغ نسبة البطالة، وفق بنك التنمية الأفريقي في تونس، 34 في المئة في اوساط الشباب. ويرى الفرجاني، وهو تابع تحصيله العلمي في الاقتصاد، أن استيعاب 80 ألف خريج جامعي، سنوياً، في سوق العمل، يقتضي توفير مئة ألف فرصة عمل. والفساد هو مشكلة عسيرة. واقتلاعه يقتضي تغيير العقليات والمواقف. و»اليوم عندنا دستور جديد - وهذا أمر جميل. ولكننا نحتكم الى قوانين قديمة. وتونس تمر في مرحلة انتقالية. الأمور غير وردية وليست مشرقة. ويسود المجتمع شعور بالخيبة. والخيبة تقود الى التطرف»، يقول الفرجاني. وذات يوم في أيار (مايو) المنصرم، قابلتُ مغني راب يعرف بـ «ديجي كوستا» (أو دا كوستا)، وأخبرني ان شقيقه يوسف قتل وهو يقاتل في سورية في 2012. «كان في الرابعة والعشرين من العمر. وحين غادر الى سورية، كان صار عقائدياً لا يسعني الكلام معه. فأفكاره انقلبت رأساً على عقب وكأنه تعرض لغسل دماغ. وواظب على ارتياد المسجد. ولا يخفى على المُجنِدين الضعفاء من الشباب الذين يبحثون عن حياة جديدة بعيداً من اليأس. وتوجهت اليه في الأغاني وطلبت منه عدم الذهاب». وفي إحدى اغنياته يقول ديجي كوستا «يا أخوتي لا تلتحقوا بالجهاد. يعدونكم بالجنة ولكنها ليست لهم ليمنحوكم إياها». و»لكنني لم أفلح في ثنيه. وعدد كبير من الفتيان في الجوار حيث أقيم ذهبوا الى سورية وأطلقوا اسمه على كتيبة. والصدمة، الى اليوم، تعم منزل ياسين العبيدي الذي هاجم متحف باردو. ومنزل أسرته التي تنتمي الى الطبقة الوسطى يقع في عمران العلا بتونس. وأهله يقولون ان علامات التطرف العقائدي لم تظهر عليه. ولكن العبيدي انتمى الى خلية نائمة نشطت بعد ثورة الياسمين في 2011. وزعم انه سيعمل في صفاقس في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وغاب بضعة اشهر. ويقول مسؤولون امنيون انه قصد ليبيا وتدرب في معسكرات عسكرية. «الى الدقيقة الأخيرة تظاهر بأنه يمضي في حياته العادية. قال لي وهو يغادر المنزل انه ذاهب الى الحمام التركي. ولكنه ذهب لذبح السائحين»، تروي شقيقته. ويروي المحامي غازي مرابط الذي يمثل عدداً من الشباب «العاديين» الذين انقلبوا «جهاديين» وقصدوا سورية، أن رحلة الانقلاب تبدأ، على الدوام، في الجامع، وأن عملية الإرهاص بجهادي تدوم من ستة اشهر الى تسعة. وبين زبائنه السابقين مغني الراب إمينو الذي يتحدر من اسرة متعلمة تنتمي الى الطبقة الوسطى. وفي البدء كان يغني عن الجنس والمخدرات، ثم سجن لحيازته حشيشة. وفي السجن صار متديناً. وأرخى لحيته، وبدأ يرتاد الجامع. وذات يوم صار عقائدياً.