ما أكثر ما يُوجه للروائيين، وربما لكتّاب القصة أيضاً، السؤال عما إذا كانت شخصياتهم الروائية متخيّلة، اخترعوها ورسموا بالكتابة ملامحها، أم أنها حقيقية. وفي بعض الحالات يجري التفتيش عن ملامح أو وقائع في حياة الكاتب نفسه، وجدت تعبيراً عنها في الرواية، للمطابقة بين شخصية الكاتب وشخصياته الروائية، للخروج بخلاصة أن الرواية المعنية تحكي قصة كاتبها. إيزابيل الليندي قالت مرة إنها تنطلق في رواياتها من الإمساك بشخصية في الواقع، تعرفها حق المعرفة، ثم تشرع في إعادة تشكيلها وفق المسار الذي يفرضه سياق الرواية، وقرأت لغابرييل ماركيز ما يقدم إضاءة مهمة في الإجابة عن السؤال الذي صدّرنا به الحديث. يقول ماركيز: الشخصية الروائية هي كولاج من شخصيات مختلفة كان قد عرفها من قبل، أو سمع أو قرأ عنها، فيختار من هذه الشخصيات المتعددة ملامح معينة ليشكل منها شخصياته الروائية التي تشبه ولا تشبه نظراءها في الواقع، بمعنى أنها تحمل شيئاً من كل شخصية، فتشبهها في بعض الجوانب ولا تشبهها في الجوانب الأخرى العائدة لشخصيات أخرى، فنكون، بالنتيجة، إزاء شخصيات جديدة أعيد تركيبها أو بناؤها. لكي يكتب ماركيز روايته: خريف البطريرك قرأ كل ما استطاع العثور عليه عن طغاة أمريكا اللاتينية في القرنين التاسع عشر والعشرين، كما تحدث إلى عدد غفير من الناس الذين عاشوا في ظل الدكتاتوريات، واستغرق هذا منه عشر سنوات متواصلة على الأقل، كي يبتكر شخصياته الروائية من دون أن يستخدم أي موقف جرى في الحياة الواقعية. وهو يكتب الرواية لاحظ أنه هو نفسه لم يعش طوال حياته في ظل الدكتاتورية، كي يختبر ممارساتها من واقع المعايشة، فاختار الانتقال إلى إسبانيا التي كانت تحت حكم الطاغية فرانكو، ليراقب عن كثب سلوك الدكتاتور، ولكنه لاحظ أن الحياة في إسبانيا لا تشبه الحياة في بلدان الكاريبي، فتوقف عن مواصلة كتابة الرواية سنة كاملة عاد فيها إلى منطقة الكاريبي. حين سألوه عن سبب عودته من دون أن ينجز الرواية، قال: لأني نسيت رائحة الجوافة. الصحفيون ظنوا أنه يمزح، لكنه أوضح: كانت تلك الرائحة هي ما أحتاج إليه كي أنهي الرواية. madanbahrain@gmail.com