خرجت إلى العلن في الأعوام العشرة الأخيرة حركات نسوية جديدة تناولت موضوعات ومسائل تتصل بأحوال النساء، ومحلهن من المجتمع، ونظامهن البدني أو الجسماني. ويلاحظ في الغرب، تحول الاهتمام والمناقشــات من مسائل اجتماعية، مثل المساواة في الأجور، إلى أخرى ثقــافية ومعنوية، مثل المعايير البيولوجية الأخلاقية أو المتصلة بالديانات. فهل هذه المسائل قرائن على موجة نسوية جديدة، أم إن الإطار الوطني والدولي يبرز قسمات حركة خفية وعميقة لم تتبلور بعد؟ ولكن ما لا شك فيه، أولاً، هو أن جمعيات وروابط نسوية جديدة مثل جمعية «لا بارب» (أي حرفياً «اللحية» أو «يكفي أضجرتمونا!» في معرض التذمر)، نشطت ودخلت في المعترك. والدعوة إلى امتلاك المرأة التصرف بنفسها، ليست جديدة، بل إن هذه الدعوة لم تغب عن الموجتين الأوليين من الحركات النسوية: تلك التي ولدت في القرن التاسع عشر ودامت إلى ستينات القرن العشرين، وطالبت بالتربية الجنسية ومكافحة البغاء ورعاية الأمومة... وغلبت على الحركات النسوية في ذلك الوقت معالجة أخلاقية لم تبعد كثيراً من الطهرانية، ورهنت التحرر بالتربية والقانون - أم الأخرى التي ولدت مع «تنظيم الأسرة» والتحكم في الحمل والولادات، في ستينات القرن الماضي، ومثلت عليها «حركة تحرر النساء»، وطعنت في فصل الخصوصية من الحياة العامة، وحملت المسائل الطبيعية والوظيفية (ومنها الجنسية) على مسائل سياسية، شأن وجوه مباشرة الحياة الخاصة والحميمة. وتدور المناقشات اليوم، على تبلور موجة نسوية ثالثة. والمعايير التي يجب اعتبارها في التصنيف هي توجه الحركات النسوية ووسائل عملها، وإطار العمل. ولا يلاحظ، في شأن التوجه، أمر جديد فعلاً، بل يغلب الثبات والتمسك بالخط الذي سدد خطى «حركة تحرر النساء»، ووجوه هذه الحركة أو معظمهن لا يزلن ناشطات في مجال تحصين حق النساء في «قطع حملهن إرادياً». وطرأ بعض التغير على برنامج السبعينات. فالحركات الراهنة تحتسب تضافر أشكال التمييز وتشابكها: التمييز العرقي والتمييز الاجتماعي والتمييز الجنسي، ولا تقتصر على توجه «أبيض» و «غربي» يفصل ألوانَ التمييز ويفردها. ويعود احتساب تضافر أشكال التمييز إلى الأميركيات السوداوات النسويات. ووسائل العمل ومناهجه لم تختلف كثيراً عما كانت في المرحلة أو الموجة الثانية. فجمع الطرافة إلى السخرية، على نحو ما تصنع حركة «اللحية» (أو يكفي، أضجرتمونا!»)، لا يخلو من عود على بدء، شأن الاستفزاز الذي يصبغ بعض المبادرات العملية. ولكن الإطار السياسي والاقتصادي والثقافي اليوم... مقارنة بنظيره في عقد السبعينات، يختلف اختلافاً حاداً. فالتيارات التي تناهض الحركة النسوية تفوق سابقاتها تنظيماً و (دعوى) مشروعية. ومثال هذا هو المطاعن في «نظرية الجندر» ومعارضة «الزواج من غير استثناء (المثليين والمثليات) أو «الزواج للجميع». و«تظاهرة الجميع»، على ما سميت التظاهرة التي جمعت معارضي قانون إباحة عقد الزواج بين قرينين من غير تخصيص، كانت ذريعة إلى نشأة جمعية ذكورية سمت نفسها «هومين» (رداً على «فيمين»). وأسس رجال كنديون، في ولاية كبيبك، حركة ذكورية سموها «حركة تحرر الرجال»، استلهمها رجال فرنسيون مطلقون علقوا أنفسهم بحبال رافعات احتجاجاً على حرمانهم حق حضانة أولادهم في بعض الأحوال، في ربيع 2013. * أستاذة التاريخ في جامعة أنجيه، صاحبة «النسوية أبعد من الأفكار السائدة» (2012)، عن «إسبري» الفرنسية، 10/2013، إعداد منال نحاس