جدة: أسماء الغابري مر التعليم العام في السعودية بمراحل مختلفة من التوسع الكمي والنوعي. وحتى تتواكب هذه البلاد مع حركة النمو العالمية التي تجتاح المجتمعات كافة، في المجالات العلمية والتقنية والاقتصادية والاجتماعية، وتتفاعل معها إيجابيا. شكلت هذه الحركة دافعا قويا من أجل إحداث نقلة نوعية عالية الجودة في تطوير التعليم عامة والمناهج خاصة، حيث جرت دراسة واقع التعليم والتوصل إلى ضرورة التطوير الذي يراعي تلبية حاجات المتعلمين وحاجات المجتمع والتهيئة لسوق العمل، ومن هنا جاء المشروع الشامل لتطوير المناهج الذي يهدف إلى تطوير العملية التعليمية بجميع أبعادها وعناصرها. وبدأ المشروع الشامل لتطوير المناهج منذ عام 1996، وكان بمنزلة إعادة نظر وتقويم للمناهج الدراسية لمعرفة السلبيات والإيجابيات فيها، ودخلت حركة تطوير المناهج فترة التجربة في العام الدراسي 2007، ومن ثم عممت على جميع المدارس في السنة التالية. في هذا الخصوص أكدت وزارة التربية والتعليم على موقعها الإلكتروني أن طلاب الصف السادس الابتدائي سيدرسون 11 مادة بدلا من 19، في حين سيكون عدد المواد الدراسية في المرحلة المتوسطة 12 مادة بدلا من 20 مادة، وأن نظام المقررات في التعليم الثانوي سيطبق في 25 في المائة من المدارس الثانوية في الخمس السنوات المقبلة، وأنه في العام المقبل سيتوسع تطبيق المشروع في 147 مدرسة ثانوية ليصل عدد المدارس المطبقة لنظام المقررات 265 مدرسة، في حين وصل عدد الطالبات والطلاب في المدارس المطبقة للنظام في العام الحالي إلى 139254 طالبة وطالبا. وأرجعت الوزارة سبب الاكتفاء بتطبيق نظام المقررات في 25 في المائة من المدارس، إلى أن هذا النظام لا يمكن تطبيقه في المدارس التي يقل عدد طلابها عن 150 طالبا، بينما يصل عدد المدارس الثانوية التي يقل طلابها عن هذا العدد لنحو 50 في المائة من إجمالي المدارس. وأوضحت الوزارة أنها تدرس في الوقت الحالي مشروعا لتطوير التعليم الثانوي العادي يهدف لإدخال مواد دراسية جديدة وتعديل آلية التقويم المتبعة في المدارس، مشيرة إلى أن نظام المقررات أسهم في خفض نسبة الرسوب في الثانوية العامة، وأن العام الدراسي المقبل سيشهد بدء الحلقة الثانية من التوسع في مشروع العلوم والرياضيات في الصفوف الثاني والخامس الابتدائي والثاني المتوسط. وبحسب الوزارة فإن مشاريع الاستراتيجية لا تخلو من التحديات والصعوبات التي تجابه بالتخطيط السليم والتفهم عن طريق تكامل العمل داخل الوزارة وفي الميدان التربوي للتغلب على هذه الصعوبات، إذ أعدت الوزارة خطة شاملة للتغلب عليها بالتأهيل الجيد للمعلمين والمعلمات وإعداد خطة شاملة لتأمين الاحتياجات من التجهيزات المدرسية. وبعد اكتمال المرحلة الأولى والثانية من تطوير المناهج تعمل الوزارة على المرحلة الثالثة، وهي مرحلة التأليف، وقسم العمل فيها على ثلاث مراحل، يجري في المرحلة الأولى إعداد المواد التعليمية للصفوف الأول والرابع والأول المتوسط. أما المرحلة الثانية، فتشمل إعداد المواد التعليمية للصفوف الثاني الابتدائي والمتوسط، والمرحلة الثالثة، تشمل إعداد مواد تعليمية للصفوف الثالث والسادس الابتدائي والثالث المتوسط. من جهته، رأى خالد بانبيلة، مدير القسم المتوسط لمدارس الأقصى الأهلية في جدة، أن المناهج في السابق كانت تزخر بمعلومات تقدم للطالب جاهزة دون مشقة في البحث عنها، ولا توفر الفرص للطالب لتطبيق المعرفة، ولا لربط وتكامل خبراته، وكان المعلم والكتاب المدرسي هما المصدران للتعلم. وأوضح أن الكتب كانت تعتمد على سرد المعلومات في الدرس الواحد، وفي نهايته توجد تدريبات للتطبيق المباشر لما درسه الطالب يقوم بحلها بناء على حفظ المعلومات الواردة في الدرس، ودون ربط التعلم بحياة الطالب، مشيرا إلى أن المناهج القديمة كانت توحي للطالب بأن فرصة نجاحه تقوم على حفظ ما احتواه الكتاب من معلومات، وهو ما يسمى النظرية السلوكية. وبين أن المناهج الجديدة اعتمدت على نظريات تعلم حديثة، مثل النظرية البنائية، بمعنى أن التعلم عملية بناء داخلي يقوم فيها الفرد، وأن الفرد قادر على بناء معرفته من نفسه، كما اعتمدت على نظرية التعلم الاجتماعية، حيث تبنى المعرفة من خلال التفاعل بين الطالب وزملائه. ولفت بانبيلة إلى أن المناهج الحديثة اعتمدت على مبادئ واتجاهات تربوية أصبح كثير من الدول تأخذ بها وتصمم مناهجها في ضوئها، مشيرا إلى أن المناهج الجديدة وفرت فرصا للتعلم الذاتي للطالب، وتعلمه كيف يتعلم، وتوفر الفرص لتطبيق المعرفة، وتعمل على تكامل خبراته وربط التعلم بحياته، ومن خلال ذلك يتعلم الطالب كيف يفهم. وبين أن المناهج الحديثة ركزت على إكساب الطالب مهارات تعد ضرورية للفرد كي يتفاعل بصورة إيجابية مع الآخرين ويتواصل معهم، ويتكيف مع مستجدات مثل: مهارات البحث، وحل المشكلة، واتخاذ القرار، ومهارات التفكير الناقد، ومهارات التفكير العليا، ومهارات التقييم الذاتي، ومهارات استخدام التقنية بفاعلية، وغير ذلك من المهارات التي تعد ضرورية لتحقيق هدف التطوير، إضافة إلى أن الثورة المعرفية وفرت مصادر تعلم كثيرة للطالب ليتعلم، فاستفادت المناهج الجديدة من ذلك، وعددت مصادر التعلم بما فيها مجال التكنولوجيا. وتطلع بانبيلة إلى زيادة حصة التدريب للمعلمين والإداريين ومتابعة أثر التدريب على الطلاب، واستحداث فريق تدريب في كل مدرسة يضم نخبة من المعلمين المميزين للتحسين المستمر والتطوير ومواكبة العصر. وعن الهدف العام من تطوير المناهج، رأى مدير القسم المتوسط لمدارس الأقصى الأهلية في جدة أن الهدف هو تغيير آلية التعلم داخل المناهج وتنويع مصادر المعرفة، فالمعلم عضو في مجموعة اكتساب المعرفة وإعداد الطالب ليصبح مواطنا قادرا على التكيف مع عالم صفته التغير والتجديد المستمرين، من خلال اكتسابه مهارات تساعده على ذلك، وأن تسعى المناهج إلى تنمية قدرات الطالب إلى أعلى درجة ممكنة. وعن تقبل الطلاب والمعلمين لتغيير المناهج، أكد أن «الإنسان عدو لما يجهل»، وأنه من الطبيعي أن يواجه كل تغيير بمقاومة تختلف شدتها من فرد إلى آخر، وأن المناهج الجديدة ركزت على دور الطالب ونشاطه في التعلم، ولذلك لا بد له أن يقوم بدور نشط يتعدى دوره السابق كمتلق سلبي للمعرفة إلى دور الباحث عنها من مصادر متعددة. وقال: «دور المعلم زاد عن السابق لكنه تغير، فبدلا من أن يكون ملقنا للمعرفة أو التعلم أصبح ميسرا للتعلم، مصمما بالتعاون مع الطلاب لنشاطات تعليمية تعمق تعلمهم وفهمهم لما تعلموه وتوفر فرصا لهم لتطبيقه، لذلك من الطبيعي أن يواجه التغيير بمقاومة لأن فيه تغيير عادات ألفها كل من المعلم والطالب». من جانبه، اعتبر علي سكري، المدير السابق لمدرسة الفلاح، أن الهدف من تطوير المناهج هو مواكبة العصر الذي نعيش فيه وإيصال المعلومات التي تناسب مناخ الطالب وقدرته على الدرس والتحصيل، إذ لا بد من تطوير المناهج الدراسية بعد إيجاد ما يساعد على هذا التطوير كشخصية المدرس القيادية داخل الفصل. ورأى أنه من الضروري مراعاة بعض المعايير في عملية التطوير، والتي منها شخصية المدرس القيادية، وموقع المدرسة، والشخصية القيادية لمدير المدرسة؛ منوها بأن تطوير المناهج الدراسية الحالية لا بد أن يكون بواسطة شبابنا من الطبقة الواعية المستنيرة، فهو يرى أن فن التدريس بمعناه الأوسع هو فن خلق البيئة مع الإبقاء عليها وخلق بنيان من النشاط يؤدي إلى تطوير العقل تطويرا صحيحا، والمدرس نفسه هو معلم حي من معالم تلك البيئة بمنحها الطاقة.