نظلم زمن الصحوة لو قلنا إن التكفير بدأ متزامناً معه. وإن جملة مثل: «فلان كافر» أو تكفير طائفة بكاملها، لم يتم تداوله إلاّ منذ عهد قريب. التكفير حال سابقة قبل المراكز الصيفية وحلقات التوعية الدعوية، وتكفير المنابر، والمنشورات. إنها حال تجري مجرى الدم بالنسبة لبعض الفئات الاجتماعية هنا. قريبتي التي تجاوزت الـ50 حكت لي موقفاً تبنته وهي طفلة في المرحلة الابتدائية؛ إزاء صديقتها التي دعتها إلى حفلة في بيتها، وذلك عندما شاهدت والدة صديقتها تلبس فستاناً قصيراً وترقص رقصاً شرقياً على أنغام موسيقية، فحكمت على الأسرة بكاملها أنها «كافرة»، وتألمت لأنهم لا يشبهون عائلتها المحافظة. تستكمل قريبتي سرد الموقف الذي اكتمل عند نهاية العام وهن يكتبن بياناتهن لاجتياز المرحلة الابتدائية، عندما رأت في خانة الديانة أن أم صديقتها «مسلمة». تقول عانقت صديقتي بفرح وقلت: «أنتم مسلمون زينا». تبدو الحادثة مضحكة، ولكنها مؤلمة عندما نغوص فيها أكثر. قريبتي أعتقها الله من هوس المقارنات وتكفير من لا يشبهها، أو يشبه عائلتها، لكن أمثال طفولتها مازلن يتبخترن في الأسواق إلى اليوم، ويسألن من يصادفن من النساء الكاشفات عن وجوههن: هل أنت سعودية؟! وإذا كانت السعودية فطنة تعرف مغزى السؤال، فإنها ستجيب بـ«لا» مقتضبة، عندها ستتركها السائلة من دون أن تخوض معها في مسالة الحجاب الشرعي. هناك أناس - نساء ورجالاً، وحتى أطفالاً - يستفزهم من لا يشبههم في المعتقد أو في القبيلة أو في الجنس وحتى في الجنسية أيضاً، تجدهم مستنفرين أكثر من أسد جريح في قفص يود لو ينقض عليك فيبحث عن مبرر ليستصغرك في عينه، حتى لو كنت كبيراً، ويجعلك عرضاً ودماً مستباحاً، ولا أفضل ولا أقوى من التكفير الذي تجاوز مرحلة التفكير والأسباب؛ ليصبح موضة تبرر القتل واقتراف الجرائم، فيتم تكفيرك لأنك لا تشبه المُكفر، وليس لأنك كافر بالفعل، فلو قيل لفلان بينك وبين النار هذه الشعرة (تكفير فلان) فإنه سيعد إلى المليون قبل أن يفكر لا أن يكفر. ولكن في زمن اعتلاء المنابر، وموضة الألفية الثانية أصبح التكفير يسبق التفكير بمسافات طويلة. كل جرائم الإرهاب التي حدثت وتحدث منذ 2003 حتى الآن خلفها شيطان مارد اسمه التكفير، إنها كلمة السر التي يهمس بها المحرض في أذن الأحمق، وأحياناً يخرج المحرض عن طوره ليصرخ بها من فوق المنبر: «كافر من لا يشبهنا».. «كافر من ينتقدنا»!