يجب أن لا تكون الصورة غامضة، نحن نعيش «حربا» حقيقية، انقلابية، من طرف المتطرفين الدينيين، وأنصارهم الأخفياء، لتكريس الفوضى والاحتراب الأهلي والديني، ليس في المنطقة فقط، بل في العالم كله. جريمة لـ«داعش» استهدفت المصلين الكويتيين الشيعة في مسجد الصادق، الجمعة الماضي، الذي شهد أيضا قيام المجرم المتطرف التونسي سيف الدين الزرقي، بقتل الأبرياء في فندق بمدينة سوسة، ومتطرف تونسي آخر بجريمة أخرى في مدينة ليون الفرنسية، وقطع رأس الضحية وتعليقه على الطريقة الداعشية. هذه الجريمة الثلاثية بجمعة واحدة، هي برهان ساطع على ما يريده شياطين «داعش» لهذا العالم. بعد جرائم «داعش» في مدن القطيف، والأحساء، والدمام، التي استهدفت الأبرياء من المواطنين الشيعة السعوديين، والآن جريمتها في مسجد الصادق بالصوابر في الكويت، نحن أمام مخطط واضح، وفعل أوضح، وكلام قبل وبعد الفعل أوضح من الوضوح، يقول لنا، لن نسمح لكم أن تعيشوا حالة التنوع والتلاقي الإنساني في نسيج واحد، سنضرب هذه الصورة، لأنها تستفزنا، وتلغي شرعية وجودنا، نحن الدواعش، ومن يمثل فكر الدواعش، وهم باقون ويتمددون. هل سينتهي الأمر عند هذا الحد؟ وهل ستكون هذه هي العملية الأخيرة، في الكويت وغير الكويت من دول الخليج؟ يؤسفني الإجابة بـ«لا». ماهية وجود التطرف الديني، وثمرته الجماعات الإرهابية، تقوم على ممارسة الإجرام والانتحار والقتل ونحر فكرة التعايش. هذا أمر يجب على صاحب القرار الخليجي أن يوطن نفسه على التعايش معه، وأن يعرف أن المواجهة ليست مرحلة سريعة وعابرة. كما أن الحل ليس في تشديد الإجراءات الأمنية، على أهميته، كما فعلت شركة النفط الكويتية في تشديد إجرائها بعد جريمة مسجد الصادق، بل في أمر آخر، يستغرق وقتا طويلا، وهو بناء ثقافة وطنية دينية جديدة، وعميقة، وليس في كل الطبقة الدينية الموجودة من يرتقي الآن، بحسن نية أو غيرها، من يرتقي لربوة التحدي هذه. بكلمة، نحن نحتاج شيئا جديدا كل الجدة. السياسي سيقول، وهل ننتظر حتى ذلك الوقت؟ والحق أنه يمكن الآن القيام بإجراءات سريعة، غير الترتيبات والتشديدات الأمنية، الضرورية والحيوية، وفي مقدمها، وأستغرب تأخيرها. التشديد على مواقع التواصل الاجتماعي، فكل هؤلاء القتلة الدواعش، رتبوا لجرائمهم من خلال التواصل عبر هذه المواقع، إما عن طريق الرسائل الخاصة وإما عن طريق بث الدعاية والتعبئة، لجمهور من السذج والمهاويس. منفذ جريمة سوسة التونسية معروف في «فيسبوك»، إلى قبيل جريمة سوسة، وكان ناشطا فيه، ومثله كل قتلة «داعش»، ومن يبثون دعايتها. في أوروبا، معقل الحريات، قامت الدول الأوروبية بإنشاء جهاز شرطة أوروبي جديد، يسمى «يوروبول» لتعقب وحجب حسابات مواقع التواصل الاجتماعي ذات الصلة بـ«داعش» حسب صحيفة «الغارديان» البريطانية. الإجراء البعيد المدى، إصلاح ديني عميق، يتولاه الحاكم نفسه، والإجراء الأقرب، غير المفعل حتى حينه، الالتفات، جديا، لمواقع التواصل الاجتماعي.