×
محافظة المنطقة الشرقية

اجتماعي / "جود النسائية" تقيم مهرجانها الرمضاني السنوي

صورة الخبر

كان يوم الجمعة السادس والعشرين من يونيو (حزيران) هو الذكرى الثانية لوفاة مارك ريتش الملياردير الأميركي من أصل يهودي والذي ارتبط نجاحه بأسماء شخصيات مثل فيديل كاسترو والشاه محمد رضا بهلوي والذي بنى ثروته من خلال تجارة النفط وكان أحد أهم الشخصيات خلف قيام السوق الفورية للبترول. إن سيرة ريتش والتي وردت في كتاب باسم «ملك النفط» غنية بالأحداث ولكن أكثر ما يميزها هو أنها ملهمة لأي شاب يريد أن يصبح ناجحًا في عالم المال والأعمال إلا أنها لا تخلو من محاذير كثيرة. فريتش رغم كفاحه وعمله الجاد كان أحد أشهر المطلوبين للعدالة نظير تهربه من الضرائب في الولايات المتحدة وإجراء معاملات تجارية غير قانونية مع إيران إضافة إلى تهم أخرى. لقد بدأ ريتش حياته بالكثير من الصعوبات فلقد انتقل في طفولته إلى الولايات المتحدة من أوروبا هربًا من جحيم النازية ومحارق الهولوكست. وبعد إتمام الثانوية التحق بالجامعة في عام 1952 لدراسة التسويق ولكنه كحال الكثير من الشخصيات الغنية الشهيرة ترك الجامعة واتجه للعمل لأنه أحس أن الخبرة العملية أهم من الخبرة النظرية. وتمكن عن طريق معارف لوالده أن يلتحق بالعمل في شركة «فيليب براذرز» أي (إخوان فيليب) في نيويورك في عام 1954 والتي كانت حينها أكبر شركة لتجارة السلع في العالم والتي أسسها الأخوان الألمانيان أوسكار ويوليوس فيليب في عام 1901 في هامبورغ والتي انتقل مقرها إلى نيويورك مع الحرب العالمية. وتحولت «فيليب إخوان» فيما بعد إلى شركة فيبرو وهي موجودة إلى اليوم والتي عمل لها تاجر نفط آخر شهير وهو أندرو هول والذي كون ثروة بعد مراهنته أن أسعار النفط ستصل إلى 100 دولار في عام 2008 وهو الأمر الذي لم يكن أحد يصدقه حينما بدأ بالترويج له في بداية الألفية الثانية. ولكن هول مثل ريتش كان صاحب نظرة بعيدة المدى وكلاهما انفصل عن الشركة لاحقًا لنفس السبب وهو مطالبتهما بمكافآت عالية نظير المداخيل الكبيرة التي أدراها على الشركة من تجارة النفط. ففي عام 1973 طلب ريتش من «فيليب إخوان» أن تعطيه مكافأة 500 ألف دولار وفي عام 2009 طلب هول من فيبرو 100 مليون دولار مقابل ملياري دولار حققها كمكاسب للشركة. عندما بدأ ريتش عمله في «فيليب إخوان» صدم من نظام الشركة. فهذه الشركة تعمل على نظام صارم يقوم على تعليم الموظف طريقة العمل من الصفر قبل أن يصعد لغرفة تجارة السلع وكل الموظفون المسؤولون عن تجارة السلع في الشركة يبدأون مسيرتهم في غرفة البريد. هذا الأمر أزعج ريتش الذي قال فيما بعد: «كنت أرى أني أستحق أعلى من هذا العمل فأنا معي شهادة ثانوية ودرست قليلاً في الجامعة». وعمل ريتش في غرفة البريد لمدة سنتين. لقد كانت غرفة البريد مكانًا مهمًا ففيها تصل جميع البرقيات بالأسعار ومواعيد تسليم الشحنات وتفاصيلها. لقد كان العمل في الغرفة درسًا في تسعير السلع لمن أراد أن يتعلم. وبعد سنتين انتقل ريتش إلى غرفة الحركة حيث يتعلم كيف يقوم بإرسال وتسلم الشحنات وقياسها ومتابعتها في الموانئ حاله حال باقي التجار. وفي غرفة الحركة بدأ الجميع يلاحظ ذكاء ريتش وقدرته على العمل الشاق حيث كان يتعلم كل شيء من المرة الأولى. إن أكثر ما يميز الناجحين هو قدرتهم على الاستفادة من كل الظروف والقبول بالبدء من الصفر. فكلما بدأ الإنسان طريقه من الأسفل نحو الأعلى زادت معرفته بكل التفاصيل ونمت لديه نظرة شمولية عن العمل وسيره. وعندما دخل ريتش إلى غرفة التجارة بدأت أبواب النجاح تفتح أمامه. لقد كان في مطلع العشرينات حينها ولكنه كان ذكيًا لتعلم أمر هام وهو التخصص في سلعة وكيفية خلق سوق لها. وهذا ما فعله ريتش مع الزئبق والذي كان معدنًا ذا استخدامات بسيطة لا تتجاوز ميزان حرارة الجسم وأمورا بسيطة أخرى. ولكن ريتش كان ذكيًا لفهم اتجاهات السوق وسرعان ما أدرك أن الطلب على الزئبق سينمو إذ إنه دخل في صناعة البطاريات وبدأ الجيش الأميركي في استخدام كميات كبيرة منه لبطاريات الأجهزة إذ إن عمر بطارية الزئبق أطول من عمر البطاريات العادية. هذا النبوغ جعل مديري الشركة يرسلونه إلى بوليفيا وهو في الرابعة والعشرين من عمره لمدة ستة أشهر للتعامل مع النظام الديكتاتوري حيث أممت الدولة المناجم التي كانت تتعامل معها «فيليب إخوان». وهناك تعلم ريتش شيئين مهمين الأول هو الإسبانية والثاني هو التعامل مع الأنظمة الديكتاتورية. وأجاد ريتش الإسبانية وقادته لأن يعيش في إسبانيا لاحقًا ويصبح مدير «فيليب إخوان» في مدريد، وهناك بنى علاقات قوية مع الحكومة الديكتاتورية تحت قيادة الجنرال فرانكو. وقبل ذهابه إلى إسبانيا ابتعثته الشركة إلى كوبا للتعامل مع نظام كاسترو وجيفارا وتمكن ريتش من إبهار الجميع إذ إنه بنى علاقات قوية مع النظام الكوبي وظل في تعامل مستمر معه وهذا يفسر تعلقه الشديد طيلة حياته بالسيجار الكوبي من نوع هافانا. ولكن نقطة الانطلاق الحقيقية نحو الثروة كانت مع النفط وتحديدًا في عام 1969 عندما بدأت تونس في بيع كميات قليلة من النفط في السوق العالمية بشكل مباشر عن طريق «فيليب إخوان». لقد كانت الصفقة الأولى من نوعها وكانت ناجحة للشركة إذ تم الشراء وتحويل الشحنة مباشرة لمصفاة في إيطاليا. هذه الصفقة لم تتم على يد ريتش بل على يد زميل له ولكنها جعلته يفكر كثيرًا في مستقبل النفط وكيف أن السوق ستشهد تحولات. فحتى عام 1973 ميلادية كانت تجارة النفط عالميًا تسيطر عليها سبع شركات عرفت باسم الأخوات السبع وهي (موبيل، واكسون، وبي بي، وشل، وتكساكو، وغلف، وشيفرون). وأدرك ريتش أن دول منظمة أوبك بدأت في مقاومة هذه الشركات وتأميم شركاتها النفطية وسرعان ما ستحتاج هذه الدول إلى شركة تتولى تجارة وتسويق نفطها. ويقول ريتش في سيرته «لقد كنت الشخص المناسب في التوقيت المناسب». وبدأ ريتش وموظف آخر في شركة «فيليب إخوان» في قسم الحركة اسمه بينكس غرين التواصل مع نظام الشاه محمد رضا بهلوي والذي كان حينها في مفاوضات مع إسرائيل لبناء خط أنابيب سري يصل بين ميناء إيلات على خليج العقبة إلى عسقلان على شاطئ البحر الأبيض. والسبب في سرية هذا الأنبوب هو أن إيران لم تعترف بإسرائيل ولم ترد أن تخسر علاقاتها مع جيرانها في ذلك الحين بحسب ما ذكرته سيرة ريتش. وقال ريتش: «لقد كان هذا الأنبوب في بداياتي سر نجاحي». وبسبب علاقات ريتش القوية مع إسرائيل وإيران أقنع الجميع ببيع النفط من الأنبوب إلى إسبانيا والتي كانت في ذلك الوقت لا تعترف بإسرائيل أيضًا. وظل ريتش هو الرجل الخفي الذي يبيع النفط من إيران إلى إسبانيا مرورًا بإسرائيل دون علم أحد. ومن هنا انطلق ريتش في عالم تجارة النفط والتي أدرت عليه عشرات المليارات من الدولارات سنويًا فيما بعد وجعلته من أغنى الشخصيات في وقتها. ولكن تهربه من الضرائب وتعامله مع النظام الإيراني بعد الحظر جعلا منه مجرمًا في نظر النظام الأميركي والذي ظل يلاحقه بعد هروبه إلى سويسرا في عام 1983 تهربًا من الضرائب. وظل ريتش مطاردًا حتى عام 2001 عندما أصدر الرئيس السابق بيل كلينتون عفوًا عنه في الأيام الأخيرة له في البيت الأبيض بعد وساطات كثيرة من الحكومة الإسرائيلية وهو القرار الذي عرض كلينتون لانتقاد شديد أحس بعده بالندم. وتوفى ريتش في سويسرا في السادس والعشرين من يونيو عام 2013 عن 78 عامًا بسكتة قلبية لتنتهي حياة عملاق من عمالقة تجارة النفط والمؤسس لها بعد حياة مليئة بالنجاحات والثراء والصفقات غير المشروعة مع أنظمة ديكتاتورية.