أعلن رئيس الوزراء اليوناني الكسيس تسيبراس عشية اجتماع بروكسل الذي يسبق تخلفا محتملا عن السداد في 30 حزيران (يونيو) الجاري، أن الناخبين اليونانيين سيقررون في استفتاء ما إذا كانت حكومتهم ستقبل مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية التي وضعها دائنو اليونان. وقال تسيبراس أمس "إنه أبلغ بالفعل الرئيس اليوناني بروكوبيس بافلوبولوس وأكبر أحزاب المعارضة، حزب الديمقراطية الجديدة المحافظ، بشأن هذه الخطط". وأعلن تسيبراس عن خططه في وقت مبكر أمس على شاشة التلفزيون اليوناني. وتابع "لقد وجه لنا الشركاء إنذارا نهائيا لقبول تقشف أشد حدة"، وستتسبب هذه الإجراءات في مزيد من الانكماش للاقتصاد اليوناني. وتابع "إن الشعب يجب أن يقرر بعيدا عن أي ابتزاز، حيث بات من الواضح أن موعد 30 حزيران (يونيو) الجاري لتسديد قسط من دين اليونان لصندوق النقد الدولي، لن يحترم". ألكسندر ستوب وزير مالية فنلندا ويانيس وزير مالية اليونان في بداية اجتماع لوزراء مالية مجموعة اليورو في مقر الاتحاد الأوروبي ببروكسل. «إ ب أ» وأوضح تسيبراس "بعض المؤسسات والشركاء لديهم رغبة في إهانة شعب بأكمله"، مشيرا إلى أن البرلمان سيجتمع أمس للموافقة على إجراء الاستفتاء. وقال رئيس الوزراء اليساري "إنه سيقبل صوت الشعب، وستتقدم اليونان بطلب لتمديد قصير لبرنامج المساعدات". وذكرت وسائل الإعلام اليونانية أن الاستفتاء سيجرى يوم الخامس من تموز (يوليو) المقبل. وجاء هذا الإعلان في الوقت الذي يستعد فيه وزراء مالية منطقة اليورو التي تضم 19 دولة من دول الاتحاد الأوروبي لعقد اجتماع جديد أمس لبحث أزمة ديون اليونان. وذكر إعلان الاجتماع "مجموعة اليورو ستواصل النقاش حول المفاوضات الدائرة بين السلطات اليونانية والمؤسسات (الممثلة للدائنين الدوليين)"، حيث يحاول الجانبان إيجاد طريقة لتفادي إشهار إفلاس اليونان. وقال وزير مالية هولندا رئيس مجموعة اليورو يورين ديسلبلويم في لاهاي "إنه يجب اتخاذ قرار بشأن الأزمة اليونانية"، محذرا من أنه إذا لم تطرح اليونان حزمة إصلاحات جيدة على مائدة التفاوض، فإن "الوقت سيكون متأخرا للغاية". وكان ممثلو اليونان والدائنون الدوليون قد فشلوا يوم الخميس الماضي في التوصل إلى اتفاق بشأن قروض الإنقاذ الدولية لليونان رغم المفاوضات المكثفة على مدى يومين وهو ما يدفع بالأزمة إلى نهاية الأسبوع وباليونان إلى حافة الإفلاس. وتسعى اليونان والدائنون الدوليون على مدى شهور من أجل التوصل إلى اتفاق يتيح صرف الدفعة الأخيرة من حزمة قروض الإنقاذ الدولية لأثينا بقيمة 7.2 مليار يورو (8.1 مليار دولار). وسجلت تصريحات متضاربة بشأن مشاركة اليونان في اجتماع وزراء مالية منطقة اليورو أمس في بروكسل إثر الإعلان عن تنظيم الاستفتاء. لكن المتحدث باسم تسيبراس جابرييل ساكيلاريديس أكد رسميا مشاركة أثينا في الاجتماع. ورفض مسؤول في منطقة اليورو تمديد المفاوضات وأكد أن اجتماع وزراء المالية "لا يزال قائما" دون استبعاد بحث "الخطة البديلة" وهو ما تريده "بعض الدول" الأعضاء. والخطة البديلة هي الخطة التي ستعتمد في حال عدم توصل اليونان ودائنيها إلى اتفاق. ورفضت اليونان الجمعة الماضي مقترحا للدائنين بتقديم 12 مليار يورو على أربع دفعات حتى تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، واعتبر وزير المالية يانيس فاروفاكيس أن المقترح صيغ بطريقة تنذر بمزيد اإضعاف الاقتصاد اليوناني. واعتبر وزير الإصلاح الإداري اليوناني جورج كاتروجالوس أن "الاستفتاء لن يكون (نعم أو لا) لمنطقة اليورو بل للاتفاق الذي قد يتم التوصل إليه". وتحرك تسيبراس دون سابق إنذار حتى إن كان سبق أن قال إن تنظيم استفتاء وارد في حال وجود خلاف مع الدائنين. وارتسمت على محياه خطورة الوضع وهو يلقي كلمة استمرت خمس دقائق عبر قنوات التلفزيون. وبعد أن ندد بـ "الإنذار" الذي قال إن الدائنين (البنك المركزي الأوروبي والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي) ضمنوه مقترح الاتفاق الذي طرحوه الجمعة ونص على دفع 12 مليار يورو على أربع دفعات من الآن حتى تشرين الثاني (نوفمبر)، واعتبر أنه "يقوض إنعاش المجتمع اليوناني واقتصاده" بغرض "إهانة شعب بأسره"، أعلن تسيبراس أن مجلس الوزراء قرر "بالإجماع" تبني مقترح استفتاء ينظم يوم الأحد في الخامس من تموز (يوليو) المقبل. وأوضح "أن السؤال الذي سيطرح في الاستفتاء سيكون هل نقبل أم نرفض مقترح" الدائنين. وأضاف "إن اليونان مهد الديمقراطية، يجب أن توجه رسالة ديمقراطية مدوية" متعهدا "باحترام النتيجة أيا كانت". واجتمع البرلمان صباح أمس لمناقشة مقترح الاستفتاء قبل التصويت في المساء على قبول تنظيم الاستفتاء أو رفضه. وعلق قادة المعارضة بحدة على الإعلان المفاجئ لتسيبراس. واتهم رئيس الوزراء السابق أنتونيس ساماراس تسيبراس بقيادة البلاد "إلى مأزق". ودعا حزب باسوك (الاشتراكي) إلى استقالة تسيبراس وإلى تنظيم انتخابات مبكرة، في حين اتهم حزب بوتامي (وسط يسار) الحكومة بأنها "لوبي الدراخما" وهي العملة اليونانية القديمة التي حل محلها اليورو. لكن التحالف الحكومي الذي يملك أغلبية (162 نائبا من 300) وسيدعو إلى التصويت "لا"، لن يجد صعوبة على الأرجح في تبني مشروع الاستفتاء في البرلمان. وبدا الوضع غامضا قبل ساعات من اجتماع وزراء مالية منطقة اليورو في بروكسل الذي يفترض أن يشكل المحاولة الأخيرة للمصالحة. وأبقي على تنظيم الاجتماع بمشاركة اليونان رغم التطورات. لكن مسؤولا في منطقة اليورو لم يستبعد أن يتم أيضا بحث "خطة بديلة" في حال عدم التوصل إلى حل، وهو ما يرغب فيه "بعض الدول". ولم يصدر أي تعليق عن صندوق النقد الدولي. ويمكن أن يبدو اجتماع السبت بلا جدوى، حيث إن مشروع سؤال الاستفتاء اليوناني نص على أن التصويت سيتم على المقترح المقدم من الدائنين في "25 حزيران (يونيو) الجاري". وبدون إفراج الدائنين عن المساعدة فإن أثينا مهددة بالتخلف عن سداد نحو 1.5 مليار يورو مستحقة لصندوق النقد في 30 حزيران (يونيو) الجاري. وقالت وسائل الإعلام اليونانية: إن طوابير تشكلت إثر كلمة تسيبراس، أمام موزعات النقود الآلية في العاصمة اليونانية. لكن مراسل وكالة فرانس برس لم يلحظ نشاطا غير معتاد منتصف الليل في وسط أثينا. ولم يضطر البنك المركزي الخميس أو الجمعة الماضيين إلى رفع سقف المساعدة العاجلة للمصارف اليونانية وذلك بعد أن كان رفعها خمس مرات في ثمانية أيام بسبب السحب المكثف للمدخرات. لكنه على أهبة الاستعداد للتدخل. وتكافح حكومة تسيبراس التي تولت السلطة في كانون الثاني (يناير) الماضي، لإنهاء برنامج المساعدة الثاني للبلاد. لكن هذه الحكومة اليسارية المتشددة ومع تقديمها تنازلات عديدة للدائنين خلال المفاوضات، لا تقبل ببعض الإصلاحات المطلوبة وتشمل أنظمة التقاعد وضريبة القيمة المضافة. في سياق متصل اجتمع وزراء مالية دول منطقة اليورو في بروكسل أمس وسط بلبلة كبيرة بعد إعلان أثينا تنظيم استفتاء حول اقتراحات الدائنين، ومن المقرر أن يناقشوا "خطة بديلة" في حال تخلف اليونان عن السداد. ووسط هذه الأجواء ينعقد اجتماع اليورو، وهو الاجتماع الخامس في عشرة أيام، ويطرح على أنه الفرصة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق ضمن المهل. غير أن الرفض القاطع لتسيبراس للاقتراح الأخير الذي اعتبره "إنذارا" من الدائنين وإعلانه إجراء استفتاء أدى إلى خلط الأوراق بشكل مثير للذهول. وسينعقد الاجتماع بمشاركة الوفد اليوناني كما كان مقررا، لكن وزراء المال الذين لم يخف بعضهم نفاد الصبر والاستياء إزاء اليونان، قد يعدلوا جدول أعمال الاجتماع لتخصيصه لنقطة ماثلة في الأذهان لكنها لم تبحث في العلن. وهذه النقطة هي وضع خطة بديلة في حال فشل المفاوضات. وقال مسؤول أوروبي رفض الكشف عن اسمه "إما أن (اليونانيين) مستعدون لبحث المقترحات الأخيرة، وإما سيناقش الوزراء الخطة البديلة". وأضاف "إن الدائنين مقتنعون بأن مقترحاتهم سخية فعلا" مع اليونان. وتابع "ربما يشعرون ببعض الإحباط ولا سيما مقارنة بالمفاوضات مع إسبانيا والبرتغال وإيرلندا"، وهي دول أخرى حصلت على برنامج مساعدة دولي. وتسيبراس الذي التقى الخميس الماضي المستشارة الألمانية ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على هامش قمة أوروبية في بروكسل أعلن أنه أبلغهما نواياه، وكذلك رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي. والتقي دراجي أمس مسؤولين في الحكومة اليونانية، ولم يعلق البنك المركزي الأوروبي، وكذلك صندوق النقد، على إعلان رئيس الوزراء اليساري اليوناني المتشدد. واعتبر وزير الاقتصاد الألماني ونائب المستشارة سيجمار جبريال عبر إذاعة دويتشلاند فانك أنه "من المنطقي تنظيم استفتاء شعبي حول المفاوضات مع الدائنين". وأضاف "الأجدى ألا نرفض اقتراح تسيبراس وألا نعتبره حيلة". وقال رئيس منطقة اليورو يورن ديسلبلوم أمس "إن إعلان رئيس الوزراء اليوناني اليكسيس تسيبراس إجراء استفتاء حول مطالب الجهات الدائنة قرار محزن لليونان ويغلق الباب أمام مواصلة المحادثات". وأضاف لدى وصوله إلى اجتماع لوزراء المالية في منطقة اليورو مخصص لانقاذ اليونان ماليا "فوجئت بشكل سلبي جدا" بالقرار. وأكد "سنصغي إلى الوزير اليوناني وسنناقش النتائج". وأعلن وزراء المالية في مجموعة اليورو عدم رغبتهم في تمديد برنامج المساعدات المقدمة لليونان، حيث أعلن ذلك وزير المالية الفنلندي ألكسندر ستوب أمس في بروكسل. وكان يروين ديسيلبلويم رئيس مجموعة اليورو قد أعلن في وقت سابق أمس أن قرار اليونان بإجراء استفتاء "أغلق الباب أمام إجراء مزيد من المباحثات" مع أثينا. وأعلن وزير المالية الألماني فولفجانج شويبله أنه لم يعد هناك أساس لمزيد من المفاوضات مع أثينا بعد إعلان حكومتها عرض مشكلتها على الشعب في استفتاء عام. وقال شويبله أمس في بروكسل قبيل مفاوضات وزراء مالية مجموعة اليورو في بروكسل "إن الحكومة اليونانية أنهت المفاوضات من جانب واحد، ويتعين الآن دراسة ما سينتج عن ذلك". وقال نيكوس فيليس المتحدث البرلماني باسم سيريزا للصحفيين "نقول نعم للاقتراح الذي قدمته الحكومة ولا للإنذار الذي وجهه الدائنون". من جهته رحب رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتس بإجراء استفتاء شعبي في اليونان على مشكلة الديون، إلا أنه وجه انتقادات حادة لرئيس الحكومة اليونانية أليكسيس تسيبراس. وقال شولتس أمس في تصريحات لجريدة فرانكفورتر ألجماينه زونتاجستسايتونج" الصادرة اليوم "إن العروض الكبيرة التي تجاوب معها جين كلود يونكر (رئيس المفوضية الأوروبية) تعتبر نوعا من الإهانة، وليست مفهومة من الجانب المنطقي ولا يمكن تفسيرها في أفضل الأحوال إلا أنها تصلب صارخ"، ويشير شولتس بذلك إلى الكلمة التلفزيونية التي أعلن فيها رئيس الوزراء اليوناني تسيبراس عن إجراء استفتاء شعبي بشأن حل أزمة الديون اليونانية الليلة. وأضاف شولتس قائلا "أعتقد أن من الصواب أن يستفتى الشعب، ولكن ذلك كان من الممكن أن يتم حين يوفي رئيس الحكومة بمسؤولياته القيادية، وهو ما يعني أن ينصح الشعب بقبول العرض الذي تقدم به الدائنون والشركاء في منطقة اليورو".