بعيدا عن شره المتسوقين حاليا استعدادًا لشهر رمضان، حيث يكدسون من المواد ما يفيض عن حاجتهم أضعافًا، كان الصائمون قديمًا، كما يقول عدد من أهالي الأحساء. يستقبلون رمضان كشهر عبادة وتآلف وتآخ وصلة أرحام.. يقتسمون وجباتهم مع الجيران ويستعيدون خلال جلسات العائلية ذكرياتهم الجميلة مع الشهر الفضيل، أما الآن فتبدو المشاهد الرمضانية غريبة بالنسبة لبعضهم، حيث انتشرت كما يقولون وسائل التكنولوجيا الترفيهية، والتي سحبت الناس بعيدا عن ما ألفوه سابقا مثل أجهزة التلفزة والهواتف الحديثة، وأجهزة التنبيه، والتي أحالت «أبوطبيلة» - المسحراتي - للتقاعد. يقول العم محمد النصيف (85 عامًا) كان أهالي الأحساء يقيمون في آخر أيام شهر شعبان احتفالًا كبيرًا فرحًا بقدوم شهر رمضان يسمى (يوم القرش) وتشهد تلك الاحتفالية، التي تستمر حتى المساء تجمعًا فريدًا يحرص عليه الجميع، حيث تسوده أجواء التآخي والآلفة وصفاء القلوب ويستمر الاحتفال إلى مابعد صلاة العشاء، فيتم الاستعداد لتجهيز السحور والطبق المفضل كان «الرز الحساوي»، والذي اعتبره من أفضل أنواع الطعام، حيث يكسب الجسم القوة والتحمل أثناء النهار.وأضاف أن أبرز ملامح ليالي رمضان بالأحساء أن الأهالي يقضون أغلب أوقاتهم في التعبد والتقرب إلى الله عزَّ وجلَّ بإقامة الصلوات وتلاوة القرآن الكريم والتجمع في شكل حلقات ودروس في المساجد حتى أصبحت الوسيلة التثقيفية بين الناس في ذلك الوقت، وإن ما يميز هذه الحلقات تعدد مواضيعها، بالإضافة إلى اللقاءات العائلية وصلة الأرحام.وأشار الكاتب عبداللطيف الوحيمد إلى إن الأطعمة في رمضان، كانت أشياء بسيطة جدًا حيث كان يعتمدون على اللبن والتمر والماء والحليب، إضافة إلى القهوة وبعض الأكلات الشعبية مثل الهريس والشوربة والثريد و»الصالونة»، والتي تسمى بالمرق و»البلاليط» والتي تسمى بالشعيرية واللقيمات والسنبوسة، ويحرص أهالي الأحساء على نشر بعض العادات والتقاليد ومن ضمنها تبادل الأطعمة. وأضاف: من العادات القديمة في رمضان ولا تزال قائمةً في مجتمعنا حتى الآن قيام بعض الأسر بتقديم بعض المأكولات، التي تعدها المرأة لمائدة الإفطار لبعض الجيران، الذين يقومون بدورهم بمبادلتهم هذه الهدية المتعارف عليها محليًا بكلمة (نقصة) فإذا أوشك أذان المغرب ترى الصبية من بنين أو بناتٍ يحملون على رؤوسهم أو بأيديهم الأطباق إلى الجيران ويأخذون منهم حصتهم، مما أُعد لمائدة ذلك اليوم، وهذا التقليد الاجتماعي المتأصل في الأحساء يمتد لعقودٍ طويلةٍ. ويضيف عيد السيفان أحد المسنين: ما أجمل صوت «بوطبيلة» وصوت الأطفال الذين يرددون وراءه وبوطبيلة هو الشخص الذي يوقظ المسلمين في ليل شهر رمضان لتناول وجبة السحور، والمشهور عندنا باسم المسحراتي، حيث يقوم يحمل الطبل بهدف إيقاظ الناس قبل صلاة الفجر وعادة مايكون النداء مصحوبا ببعض التهليلات أو الأناشيد الدينية، وما إن يبدأ في المسير حتى يتبعه الصبيان وهم يرددون أهازيجه المحببة أما بالنسبة للفتيات فيكتفين بالتفرج عليه من بُعد بالوقوف أمام منازلهم أو الإطلالة عليه من النوافذ أو السطوح. وتابع: تزداد أهمية (بوطبيلة) عند منتصف الشهر، حيث يحل يوم (القرقيعان) فيطوف الأحياء نهارًا ويتجول معه الأطفال، وهو يجمع ما يعطيه الناس من (القرقيعان) في كيسٍ محمولٍ على حمار، ومثل هذا يحصل في العشر الأواخر من رمضان، حيث يطوف نهارًا لجمع التبرعات والصدقات التي يقدرها الصائمون فمنهم من يعطيه نقودًا ومنهم من يعطيه مأكولات أو ملابس ومنهم من يعطيه زكاة الفطر، التي ينوون إخراجها ويستمر في الطواف بالبيوت حتى منتصف النهار ثم يؤوي إلى داره بعد أن أنهكه التعب وأثقلت حماره الغنائم»، ومع تقدم الزمن وظهور أجهزة التنبيه الإلكترونية انقرضت هذه المهنة وأحالت أصحابها للتقاعد. المزيد من الصور :