وفقا لعدد من وسائل الإعلام البريطانية فإن قمة قادة الاتحاد الأوروبي المنعقدة في بروكسل أمس الأول كانت واحدة من أكثر القمم "دموية" عبر تاريخه. بطبيعة الحال لم يقصد الإعلام البريطاني الكلمة بمعناها الحرفي، وإنما ما أكدت عليه صحيفة "التلغراف" - على سبيل المثال - أن وجهات نظر القادة والزعماء المشاركين كانت تسير في اتجاهات متباينة. ووصل الاختلاف إلى حد تهديد رئيس الوزراء البريطاني علانية بأن بلاده ستنسحب من الاتحاد، ولن تنتظر الاستفتاء المقرر عقده بهذا الشأن عام 2017، إذا ما واصل القادة الأوروبيون وتحديدا ألمانيا وإيطاليا الضغط على لندن للقبول باستقبال مزيد من اللاجئين. الموقف البريطاني الرافض لاستقبال اللاجئين، والمدعوم من قبل قادة بعض البلدان الأوروبية مثل المجر، أجبر قادة الاتحاد الآخرين على أن يصدروا قرارا بأن تكون عملية القبول باللاجئين عملية طوعية، حسب كل دولة وقدرتها، دون أن يكون هناك قرار إجباري بهذا الشأن. ومثل هذا الأمر هزيمة لجون كلود جنكر رئيس المفوضية الأوروبية الذي كان يصر على ضرورة وجود حصة إجبارية على كل دولة من دول الاتحاد أن تقبل بها من المهاجرين. وحول تأثير هذا الموقف على وحدة الاتحاد الأوروبي قال لـ "الاقتصادية" أيان كليج رئيس قسم الأبحاث الأوروبية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: "القمة الأخيرة كانت عنيفة للغاية، حتى أن الأعراف الدبلوماسية التي تتطلب اللباقة في اختيار الكلمات لم تراع". وأضاف كليج: "بدا الأمر أقرب إلى تلاسن بين رئيس الوزراء الإيطالي وكاميرون. هذا سيكون له موقف سلبي تجاه الوحدة الأوروبية". وربما تجد الدعوة البريطانية لإصلاح الاتحاد الأوروبي مزيدا من الدعم الآن من قبل بعض البلدان الصغيرة في الاتحاد مثل المجر، التي تتبنى ذات الموقف البريطاني من اللاجئين. في المقابل سيزداد الموقف الألماني والفرنسي والإيطالي الذي يعتقد أن حل مشاكل الاتحاد تتم عبر مزيد من الاتحاد والاندماج بين الدول الأعضاء تصلبا. ويعني هذا بحسب كليج "أن الشرخ الراهن بين الـ28 دولة الأعضاء، وحالة الاستقطاب الداخلي ستزداد حدة حتى موعد الاستفتاء البريطاني". وكان رئيس الوزراء الإيطالي قد هاجم نظراءه من القادة الأوروبيين خلال القمة قائلا: "إذا لم تكونوا راغبين في استضافة 40 ألف لاجئ فمن غير اللائق أن تسموا أنفسكم أوروبا". في مقابل الغضب الإيطالي كان رئيس الوزراء البريطاني أكثر ارتياحا في نهاية القمة إذ صرح لوسائل الإعلام قائلا: " لقد بدأنا النقاش حول الأطروحات البريطانية بشأن إصلاح الاتحاد والمفاوضات بدأت". لكن التصريحات المتفائلة لكاميرون لم تجد قبولا لدى معارضيه في المملكة المتحدة دونالد ستيوارت عضو مجلس العموم البريطاني عن حزب العمال، حيث اعتبر أن تصريحات كاميرون لا تتجاوز الاستهلاك المحلي، ولا يوجد لها أرضية على أرض الواقع. ولـ "الاقتصادية" علق قائلا: "التصريحات تهدف إلى إرضاء الجناح اليميني من حزب المحافظين الذي يضغط بشدة للانسحاب من الاتحاد الأوروبي". وأضاف ستيوارت: "على العكس أعتقد أن أوروبا ترفض المطالب البريطانية؛ فكاميرون يريد وضع قيود على حركة الأيدي العاملة بين دول الاتحاد، وقد أعلن قادة الاتحاد الأوروبي صراحة أن حرية الحركة والإقامة في دولهم ليست محل تفاوض". ويعتقد عدد من الاقتصاديين أن نقطة الضعف الرئيسة في البرنامج الإصلاحي الذي يطرحه كاميرون على الاتحاد الأوروبي، يعود إلى أن لندن لم توضح بشكل تفصيلي طبيعة وتفاصيل هذا البرنامج، واكتفت بخطوط عامة للغاية. وأبرز هذه الخطوط رفض لندن الفكرة الجوهرية للاتحاد الأوروبي وهي دعوة أعضائه لمزيد من الاتحاد والاندماج. ويرغب كاميرون في أن تستثنى بريطانيا من تلك الدعوة وأن يقف الأمر عند حدود "التنسيق الاختياري" بين الدول الأعضاء. وتريد بريطانيا تعزيز سيادة البرلمانات الوطنية بحيث يمكنها رفض التشريعات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي، وهذا الأمر يتناقض تماما مع وجهة نظر فرنسا وألمانيا، الداعين لتعزيز البرلمان الأوروبي. وتسعى لندن إلى الحصول على امتيازات خاصة تضمن حمايتها كمركز مالي في مواجهة منطقة اليورو. كما ترغب في الحد من الهجرة الداخلية في دول الاتحاد عبر خفض نظام الإعانات الاجتماعية الممنوحة للمهاجرين، وهذا يلقى معارضة شديدة من البلدان الفقيرة في الاتحاد مثل بلغاريا ورومانيا وبولندا وإسبانيا لأن أغلب المهاجرين من أبنائهم. وتريد بريطانيا أيضا جعل الاتحاد الأوروبي أكثر تنظيما وقدرة على المنافسة، وهذا الاقتراح يلقى قبولا ودعما وتأييدا من قبل الدول الأعضاء كافة، لكن عند التفصيل تتباين الآراء بينها وبين الآخرين، لأنهم يعتبرون أن ما تدعو إليه من وسائل تنظيمية يصب في خانة خفض الاندماج بين الدول الأعضاء. وقال لـ "الاقتصادية" الدكتور مارك مورغان دكتور الاقتصاد الأوروبي في جامعة إن ثمة شكوكا في قبول الدول الأوروبية بالإصلاحات البريطانية، لأنها ستتطلب إعادة كتابة المعاهدات المتفق عليها ويستحيل عمليا توقع حدوث ذلك قبل الاستفتاء البريطاني عام 2017. من جانب آخر يشير بعض من الاقتصاديين المحافظين إلى أن بريطانيا لا تزال لديها فرصة لإقناع أعضاء الاتحاد الأوروبي بمنطقية وعدالة مطالبها، خاصة بعد أن أكد رئيس الوزراء البريطاني أنه لا يريد تغيير مباشر لاتفاقيات الاتحاد، وأنه سيكتفي بالحصول على تعهدات من قادة وزعماء الاتحاد الأوروبي، بأنهم يؤيدون نظرته الإصلاحية، وأنهم سيقومون في المستقبل بتعديل الاتفاقيات الأوروبية. جيمس نيل نائب الرئيس التنفيذي لاتحاد الصناعات البريطانية يعتقد أن أوروبا لن تستطيع التخلي عن بريطانيا لأسباب اقتصادية وسياسية في آن واحد. وقال لـ "الاقتصادية": "الاقتصاد البريطاني هو الأفضل أداء بين البلدان الكبرى في الاتحاد الأوروبي حاليا، وبريطانيا تعد من كبار المساهمين في ميزانية الاتحاد، وتربطها علاقات مميزة مع الولايات المتحدة إضافة إلى موقفها المتشدد من روسيا في الأزمة الأوكرانية، هذه العوامل ستدفع الأوروبيين إلى إعادة النظر في مواقفهم". وأضاف نيل: "العامل الاقتصادي سيلعب دورا مهما في القرار الأوروبي، فالسوق البريطانية سوق كبرى من حيث عدد السكان وأيضا لارتفاع مستوى المعيشة، ومن ثم تعد سوقا رئيسة للسلع الأوروبية، خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد سيفقد أوروبا هذه السوق إلى حد كبير".