باءت بالفشل تجارب حقلية على صنف من القمح المعدّل وراثياً، الذي تنبعث منه رائحة معينة لطرد الآفات، لاسيما حشرة المنّ، الأمر الذي يبرز مدى صعوبة استئناس مثل هذه التقنية المثيرة للجدل. وقال العلماء إن هذه النتيجة مخيبة للآمال، لكنهم يعتزمون تعديل هذه التقنية لتحسينها مستقبلاً، اعتقاداً منهم بأن تقنية المحاصيل المحورة وراثياً تطرح أسلوباً مرناً لاستنباط حاصلات لا تحتاج إلى رشّها بمبيدات الآفات. غير أن منتقدي هذه التقنية يخشون أن تؤدي هذه المحاصيل إلى تلويث البيئة، وربما إفساد منظومة السلسلة الغذائية. وكانت هذه الجهود العلمية، التي جرت في معهد روثامستيد البريطاني بجنوب إنجلترا، أول تجربة من نوعها لمحصول تمت هندسته وراثياً كي يطلق فرمونات أو روائح طاردة للحشرات. وفجرت هذه التجربة احتجاجات من جانب النشطاء المعارضين للمحاصيل المعدلة وراثياً، إذ هددوا بإتلاف هذه النباتات، في حالة نجاح التجربة، لكنهم لم يقدموا على إهلاك نباتات التجربة. وفيما نجت النباتات من اعتداء البشر، إلا انها لم تفلت من غزو حشرة المنّ. وأوضحت هذه التجربة التي استمرت خمس سنوات، ونشرت نتائجها في دورية ساينتفيك ريبورت، أول من أمس، إن القمح المحوّر وراثياً لم يطرد آفة المن في التجارب الحقلية، كما كان يعتقد، على الرغم من نجاحه في ذلك بالمختبرات. وتدمر حشرة المن محصول القمح، عن طريق امتصاص العصارة السكرية للنبات، علاوة على نشر الفيروسات، الأمر الذي يستدعي رش المحصول بمبيدات حشرية من إنتاج شركات مثل باير وسينغينتا. وأضاف الفريق البحثي جينات كي تحفز القمح على إنتاج فرمون البيتا فارنزين، الذي يوجد طبيعياً في نباتات أخرى، والذي يعمل من خلال إرسال إشارة تحذير للحشرة كي تبتعد عن النبات. ولم يتضح سبب فشل النبات المحوّر وراثياً في العمل وفقاً لما هو متوقع، لكن العلماء يقولون يبدو أن حشرة المن تعودت بمرور الزمن هذا النوع من التنبيه، ولم تعد تعبأ به، مثلما اعتاد الناس أصوات آلات تنبيه السيارات، بحيث لا يكترثون بها. وقال الباحث جون بيكيت، الذي يؤمن بجدوى الفرمونات الطاردة للحشرات، إن من بين الأفكار المقترحة الآن أن ينفث النبات هذه الفرمونات فور وصول حشرة المن. وقال نرى أن هذا الأسلوب يبشر بعملية لمكافحة الحشرات دون اللجوء إلى ضرورة رش المبيدات الحشرية السامة، إنها بداية انتهاج طريق بديل. وتمثل التجربة، التي لم تعضدها اهتمامات من قبل الشركات التجارية المعنية، حالة نادرة نسبياً في بريطانيا، في ضوء المعارضة السياسية للمحاصيل المعدّلة وراثياً أوروبياً، علاوة على الكلفة الباهظة لمثل هذه البحوث.