×
محافظة حائل

الربيش: الخميس هددني.. وعقوبات الانضباط صدرت دون موافقتي و8 أسئلة تكشف حقيقة استقالته

صورة الخبر

الحياة التي نعيشها كثيرًا ما تمنحنا فرصًا كبيرة للتأمّل. تأمّل ذواتنا بعمق، وذوات الغير أيضًا. حتى في حالة الصدمة من المحيط الثقافي أو الاجتماعي عمومًا، نحتاج إلى هذه العودة التي تعيد النظر في يقينيات تأسسنا عليها، وهي ليست كذلك. بعد أربعين سنة كتابة يتصور المرء أن هذه الأخيرة التي منحته كل سعادات الدنيا الممكنة، أو تلك التي يمكن تخيلها، الشهرة، الحب، المال، تقاسم الفرح والخير مع الآخرين ومساعدة من هم في حاجة إلينا، لأن الكتابة أكبر من الكلمات، فهي نبل وسخاء وتسامح. ولهذا نفترض دومًا أن مساحة الثقافة في جوهرها مساحة نقية وإنسانية بامتياز مهما كانت الوجوه البالية التي تتخفى وراءها. إلاّ أن الكتابة كباقي النشاطات الاجتماعية، لا تخلو من الأحقاد والحسابات الضيقة، والغيرة التي تنتقل، بسبب الإخفاق في فرض الذات، إلى حسد مقيت، وحقد مبطن، أو معلن حد الرغبة في محو الكاتب الناجح. لم يخطئ الذي قال: انجح وسيظهر لك أصدقاؤك الحقيقيون، وأعداؤك المتخفون والظاهرون، وهناك الأذكى، منهم، الذي لا يدخل حروبًا هو أول العارفين أنها خاسرة؛ لأنها لن تغير في الأمر شيئًا، ولكن يسيرها عن بعد بتعميم الأخبار الكاذبة، والشتم المستمر، والاتهامات المجانية. لنقل إن مساحة الكتابة هي صورة مصغرة عمّا يدور في المجتمع. يكفي أن يكون حدث ما، لتظهر الخفايا على العلن. لدرجة أن يتخصصوا في الكاتب الواحد، والعمل على هدم كل ما يقوم به من منجز. رأيت هذا مؤخرًا عندما أثيرت في الصحافة الوطنية، فكرة تقاطع رواية بوعلام صنصال 2084/ نهاية العالم، مع عنوان روايتي: 2084/ العربي الأخير، التي لم تصدرا بعد ولكن تحدثت عنها الصحافة الوطنية والعربية والعالمية منذ قرابة السنة. رواية صنصال حملت نفس العنوان تقريبًا: 2084/ نهاية العالم. ولم يتحدث عنها أبدًا حتى الآونة الأخيرة، حيث أعلنت دار نشره غاليمار عن اقتراب صدورها. وكلتا الروايتين اعتمدت نص جورج أورويل 1984، أسستا نقاشهما على فكرة انهيار الوضع العربي، وتسيد التطرّفات، وإن اختلفت النظرتان والتصوران والرؤيتان. الذي حدث بدل معالجة التقاطعات والتشابهات، بين النصين ومحاول فهمها، إذ قد يكون للصدفة ميزانها في الحكم، تحولت المسألة في عمومها، إلى حرب مكشوفة ضحيتها الكاتبان. من يشتم صنصال على السرقة الموصوفة، مع أني لم أذكر ولا مرة كلمة سرقة، ومن يلومني على إثارة القضية، بل ويحملني وزر أشياء، الله وحده يعرف سرها. بينما أهمل جوهر القضية الذي أثير في شكل تساؤل وليس تهمة بالسرقة. الكثير من الفاشلين في كل شيء استغلوا الفرصة ليخرجوا كل ما بدواخلهم من حسد وأمرض قديمة، ونسوا أن القضية أدبية وتستحق الجدل الثقافي والسجال العلمي. الظاهرة أصبحت معممة وهو ما يعطيها شرعية التناول والدرس. الأمر الذي يدفع بي إلى التساؤل مرة أخرى: هل يُعقل أن يكون عالم الكتابة بكل هذا الضيق وهذا البؤس؟ لنا مثاليات عليها أن تنكسر لأن الواقع يكذبها. يمكنني اليوم أن أقول إن للكتابة أمراضها أيضًا، ومرضاها، وحالاتها الإكلينيكية الميؤوس من إصلاحها. لكني أيضًا على يقين مطلق بأن في الكتابة جوهر يبقى مهما كان الشخص. نبل وفعل إنساني أقوى من الغيرة، أو التهمة المجانية، أو الحسد، وإلاّ لماذا نعود اليوم لنجيب محفوظ لتأمل انكساراتنا، والمتنبي، وابن حزم لقراءة إنسانيتنا، وإلى زولا وسيرفانتس وغيرهم لفهم جوهرنا؟ في الكتابة شيء لا يموت اسمه السخاء وحب الآخرين. القارئ هو الآخر الذي يبرر جزئيًّا وجود مشروعنا، وإلاّ ستصبح القراءة في وادٍ، والكتابة في وادٍ آخر.