في زمن نواجه فيه من التحديات التي تستوجب منا أن نتحلى بالقدرة على التفكير السليم والتصرف الصحيح، لا يزال هناك من يحاول أن يدفعنا إلى الاستغراق في توهم مخاطر السحر الذي يطوقنا بمخاطره والسحرة الذين يتربصون بنا، وإذا لم يكن لنا أن ننكر حقيقة السحر ومكائد السحرة إلا أن العقل لا يمكن له أن يتقبل أن تكون بهذا القدر من الانتشار وعلى هذه الدرجة من الخطورة. في وقت ينبغي علينا فيه التحلي بالعقل في مواجهة مخاطر وجود الحوثيين في الجنوب وداعش في الشمال وإيران في الشرق، يحاول البعض أن يمنح عقولنا إجازة مفتوحة بالحديث عن أعداء يراهم أشد خطرا من الحوثيين وداعش وإيران، هم هؤلاء الخادمات اللواتي يعقدن العقد ويكتبن الطلاسم فنقع ضحايا سحرهن وشعوذتهن قتلى حينا ومرضى أحيانا أخرى. ومما يؤسف له أنه في الوقت الذي ينبغي علينا فيه أن نتحلى بالوعي والنضج الفكري لمواجهة دعاة التطرف والغلو والتكفير والمتاجرين بديننا وبوطننا وبأبنائنا يحاول البعض أن يحرفنا عن ذلك كله باختراع تحديات لا تصادر شيئا كما تصادر العقل ولا تعطل شيئا كما تعطل النضج الفكري. لا ننكر السحر ولا ننفي وجود السحرة، غير أن من حقنا أن نتساءل عما يجعلنا الشعب الوحيد الذي يكتشف في كل يوم سحرا ويضبط كل شهر ساحرا أو ساحرة، لا ننكر السحر غير أنه ليس من المعقول أو المقبول أن نرى في كل كتابة نعجز عن فك رموزها وفي كل مرهم نجهل مكوناته سحرا نرتجف خوفا من أثره. آخر أخبار السحر والسحرة ما أكده مسؤول بمصلحة الجمارك العامة من أن 10 % من إجمالي ضبطيات المنافذ الجمركية تشمل أدوات للسحر والشعوذة، فإذا أضفنا إلى هذا الكم الهائل من أدوات السحر المستوردة ما يتم تصنيعه محليا عرفنا مقدار ما يمكن أن تبثه مثل هذه الأخبار من رعب وخوف في المجتمع وما تسهم به من تغييب الوعي فيه. وأخيرا فإننا إذا كنا نقر بحقيقة السحر فإن ذلك لا يلزمنا أن نصدق أن كل ما تعجز ربة بيت عن قراءته من أوراق تخبئها خادمتها هو سحر، وكل ما لم تعرف الجمارك مكوناته أو تفك رموزه هو سحر كذلك، ثمة عقل ينبغي أن نعرض عليه ما نرى ونسمع وأن نحتكم إليه، وبدون ذلك لن نتمتع بالوعي الذي نستطيع بواسطته أن نواجه الأعداء الحقيقيين الذين يتربصون بنا وسنجد أنفسنا نرتجف خوفا ورعبا كلما عثرنا على ورقة ظنناها سحرا وشعوذة دون أن نفقه أن كثيرا من الشعوب تستخدم الحرف العربي في كتابة لغاتها.