< مع موجة الربيع العربي، وزيادة كبيرة في مجال الحريات في عالمنا العربي، نجد أن القنوات الفضائية التلفزيونية تسيدت المشهد الإعلامي، وأصبحت من الأدوات المؤثرة في تشكيل الذهنية العربية، ولكن الملاحظ أن القنوات الدينية ذات النظرة والتوجه الطائفي هي من يحرك المشاعر ويخاطب العواطف بشكل واضح؛ مستغلة الثقافة الدينية السائدة في المجتمعات العربية، والنتيجة - للأسف - هي زيادة في الإقصاء للطرف الآخر مهما كان، ويمكن القول إن الغرب ليس بريئاً من تغذية الطائفية في مجتمعاتنا، فقبل الربيع العربي تم غزو العراق واحتلاله من أميركا؛ بدعوى نشر الديموقراطية في منطقتنا، ولكن الكارثة أن تأسس عراق جديد، قائم على تقسيم طائفي في مؤسساته السياسية، تلك برأيي من أسست للطائفية في منطقتنا. نعم، هناك اختلاف طائفي منذ مئات السنين في العالم الإسلامي، ولكن ما نشاهده من بشاعة وقتل طائفي لا شك في أن الغرب شريك فيه بصورة أساسية، وقد يكون مشروع الشرق الأوسط الجديد قائماً على تفتيت الدول العربية، والحصان المستخدم في ذلك هو حرب الطوائف والإثنيات في الشرق العربي. مع الثورة الإعلامية تم تسخير القنوات الفضائية الدينية في تأجيج الخطاب الديني الطائفي، وأصبح قلة ممن يدعون الحقيقة المطلقة، وأنهم هم من يمثلون الإسلام؛ هم من يتسيدون المشهد الإعلامي، ونشاهد هؤلاء وهم يصرخون ويتوعدون الآخرين بالنار سوء المصير. قد لا أبالغ بالقول إن هذه الفوضى الإعلامية الفضائية في سمائنا العربي قد تكون لها علاقة مباشرة بالتطرف والإرهاب والتشدد، فمن يقومون على هذه القنوات لا يبدو أنهم يعون خطورة الرسائل التي يتبنونها، لاسيما تجاه فئة الشباب العربي، الذي يعاني من مشكلات عدة، منها العزلة الاجتماعية والبطالة وفقدان الأمل بإصلاحات سياسية تلبي طموحاته. في مثل هذه الظروف يكون الشباب العربي في حال جاهزة؛ لتلقي الخطاب الديني المتطرف من تلك القنوات، ويكون مشروعاً جاهزاً وسهلاً من التنظيمات الإرهابية، والتي هدفها عودة دولة الخلافة وإقامة العدل، وهذه - للأسف - أفكار مثالية لا علاقة لها بالواقع، بل إنها هروب منه. إن هذه القنوات المذهبية للأسف تلعب بالنار وتهدد وحدة الوطن، فعلينا كمجتمع ودولة الوقوف ضدها بكل الأشكال والأدوات، فبعض تلك القنوات من هذا المذهب أو ذاك؛ هدفها الكسب المادي مهما كان خطابها التباكي على الثوابت، علينا كمجتمع أن يتوقف بعضنا عن دعمها مالياً عن طريق التبرعات، وفضح ممارساتها الخطرة؛ فهي تنشر اليأس، وتستخف بمفهوم الحياة في سبيل تحميل الفرد المسلم مسؤولية بعض الممارسات الخاطئة من بعض الأصوات، التي لا نعرف هدفها من تأجيج خطاب المذهبية. أما على مستوى الحكومات العربية فهي تملك الأدوات لإسكاتها، أو على الأقل إضعاف أصواتها، فلا يعقل أن يكون هناك إجماع على خطورة تلك القنوات، وهي تبث من خلال أقمار عربية تملكها بعض الدول العربية، ولن أتكلم عن مواثيق الشرف الإعلامية العربية والإسلامية، والتي نسمع بها منذ أعوام، ولكن لا يوجد تطبيق والتزام بها على أرض الواقع.