ولدت فكرة كتاب «السراب» للباحث الإماراتي جمال سند السويدي خلال المراحل النهائية من اشتغاله على كتابه السابق «آفاق العصر الأميركي... السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد»، بعدما توصّل إلى قناعة مفادها أنّ تفكيك عناصر المشهد الراهن في العلاقات الدولية وصداها وانعكاساتها وتأثيراتها في العالمين العربي والإسلامي لا ينبغي أن يتوقف عند فهم محركات هذه العلاقات وآليات الصراع والتنافس والتعاون الدائرة ضمنها. بل ينبغي أيضاً السعي نحو اكتشاف المعوقات الحقيقية التي تحول دون تفاعل كثير من دول العالمين العربي والإسلامي بجدية مع الواقع العالمي الراهن. وفي مقدمة هذه المعوقات ارتهان كثير من هذه الدول والمجتمعات لأيديولوجية الجماعات الدينية السياسية، التي باتت أفكارها تمثّل فعلاً لا قولاً إحدى عقبات التنمية والتطور والحداثة في هذه المجتمعات. هكذا جاء كتاب «السراب» كأنّه تعبير عن رؤية ذاتية تنطلق من أنّ الصراع الذي يخوضه عدد من الدول في العالمين العربي والإسلامي، ضدّ الفكر المتطرف وجماعاته وتنظيماته، ليس محصوراً في نطاق أمني عسكري، بل هو حرب ممتدة وذات طابع فكري في الأساس. يُناقش «السراب» إذاً ظاهرة الجماعات الدينية السياسية، من زوايا متعددة: فكرية وسياسية وعقائدية وثقافية واجتماعية. ويركّز أيضاً على الفكر الديني السياسي في شتى تجلياته وجماعاته، عاكساً الفروق والتباينات الفكرية والتنظيمية بين هذه الجماعات. ويرصد الكتاب هذه الظاهرة تاريخياً، متتبعاً إيّاها وصولاً إلى ذروة صعودها السياسي في بداية القرن الحادي والعشرين. حرص الكاتب من خلال فصول الكتاب على إظهار آرائه وقناعاته بأنّ الجماعات السياسية/ الدينية ليست هي الوجه الآخر للإسلام الحنيف، ولا تعبّر عنه، ومن ثمّ فإنّ الاستسلام لمزاعم هذه الجماعات يُمثّل إساءة بالغة للدين وقيمه الوسطية السمحة. وهذا الفكر نحتاج الى الإضاءة عليه في مثل هذه الظروف التي يعيشها عالمنا العربي اليوم.