في عكاظ (17207)، اقترح الأستاذ عبدالله أبو السمح في عنوانه (النقود والتقوى) بأن يستعاض عن الذبح الفعلي بقيمته نقدا، ويوزع على فقراء الحرم وأيتامه للإنفاق منه طيلة العام عبر الجمعيات الخيرية، مستخدما أحد مصادر الشريعة وهو القياس، فقاس جواز هذا الأمر بزكاة الفطر وإمكانية إخراجها نقدا. وأجدني مخالفا لاقتراحه الذي لا أساس له في الدين، فاليوم العاشر من ذي الحجة سمي بيوم النحر؛ لأن المسلمين يتقربون فيه إلى الله بنحر بهيمة الأنعام، فالحجاج في هذا اليوم ينحرون هديهم، والمسلمون في أنحاء الأرض ينحرون أضاحيهم، يقول الحق (ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام)، ويقول سبحانه (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر)، ويقول سبحانه (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين)، أي فليس المقصود ذبحها فقط، وإنما شرع نحر هذه الهدايا والضحايا لذكره عند ذبحها بالتهليل والتكبير، والتقوى المقصودة في الآية أي روح الإخلاص فيها والاحتساب والنية الصالحة مثل الصلاة، فالله لا يناله منها الحركات والسكنات ولا من الصوم ترك المأكولات والمشروبات، ولكن يناله منها معاني الخشوع ومراقبة القلب وحسن النية. والنحر نوع من أنواع العبادة والتي الأصل فيها الوقف، وقد تعبد الله عباده بها وجعلها من الشعائر التي يجب المحافظة عليها والتي يحرم إهمالها وإحلالها كما ذكر في سورة المائدة (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله)، وقد أكد الله على ضرورة الهدي دون أن يجعل خيارا آخر في حالة العجز عن إكمال الحج والعمرة كما في بقية الكفارات، فقال تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي)، فطلب الهدي بعينه في نص قرآني واضح وصريح. إن الهدي وقبل أي شيء هو شعيرة من شعائر الله ولا بد من تعظيمها وهي من العلامات الواضحة الظاهرة التي اعتبرها الدين الإسلامي مظهرا من المظاهر العامة، وهذا لا يتحقق إلا بعمل ظاهر يراه الناس في مناسبات خاصة، فهذه الشعائر هي من الفروض المقدسة داخل قلب كل مسلم؛ لذا كانت كل آراء الفقهاء متفقة على ذبائح الحج نزولا على حكم الآية القرآنية الصريحة وتحقيقا للغرض المقصود وهو التقرب إلى الله بإراقة الدم، والله ــ سبحانه وتعالى ــ له أن يتعبد عباده بما يشاء، ففي هذه العبادة يتجلى بوضوح مقتضى العبودية الحقة، وهو الامتثال لأمر الله سواء عقل الإنسان معناه أو لم يعقله، فعليه لا يجوز استبدال النقود بالهدي أو الأضاحي التي طلبها الشارع بذاتها للتصدق بثمنها، فالمقصد ليس التصدق وإنما المقصد هو التقرب بهذا الفدو والأضحية لله وحده، أما القياس الذي أورده الأستاذ أبو السمح فهو قياس باطل، فلا يقاس أصل على أصل وإنما يقاس فرع على أصل، وهذه قاعدة شرعية مشهورة في الفقه الإسلامي نجد شرحا وافيا لها في الكوكب المنير 4/39، فزكاة الفطر أصل في حد ذاتها لها أحكامها وشروطها وكذلك الأضحية، فلا يصح القياس بتاتا ولاختلاف العلة أيضا بين الأصلين، وقد رأى بعض فقهاء الحنفية والشافعية بأنه لا يجوز بيع الأضحية أو استبدالها بغيرها الهداية 4/77 الصنائع 5/81 المجموع 8/261 المغني ،9/357 كما ورد في بدائع الصنائع 5/81 أن الأضحية مثل الوقف لا يجوز بيعها، وفي المغني 9/357 أن المضحي قد جعل أضحيته لله فلا يملك التصرف فيها بالبيع أو الإبدال. وقد روت عائشة أن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال «ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إراقة دم» المستدرك 4/246 والترمذي 4/83، وفي الهداية 4/73 أن الأضحية تفوت بفوات وقتها، أما الصدقة فيؤتى بها في أي وقت، فنزلت الأضحية منزلة الطواف والصلاة، فلا نقود وإنما تذكية وتقوى تعظيما لهذه الشعيرة ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب. nyamanie@hotmail.com للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة