منذ مارس 2011، يتعاقب الموت والعنف على السوريين دون أن تلوح في أفق الأزمة بوادر حل تساهم في وقف آلة القتل التي تستمر في حصد أرواح الأبرياء واستباحة الدماء في رمضان والأعياد، على غرار باقي أيام السنة. وبما أن شهر رمضان يعد فرصة للبحث عن سلام النفس والسكينة، فقد حاولت المنظمات الدولية والإنسانية، منذ بدء النزاع في سوريا، استغلال هذه المناسبة للتوصل إلى هدنة مؤقتة ربما تقي السوريين شر القتل والتشرد. إلا أن أشهر رمضان، التي مرت على السوريين وسوريا بعد الانتفاضة الشعبية التي سرعان ما تحولت إلى حرب أهلية بسبب قمع القوات الحكومية، لم تشهد أي تغيير على صعيد استمرار حمام الدم من جراء أعمال العنف. فالعنف المتنقل في كافة المناطق السورية تقريبا، الذي ترتكبه القوات الحكومية والميليشيات الموالية لها وفصائل المعارضة المسلحة والتنظيمات المتشددة، لم يحترم قدسية هذا الشهر كما لم يحترم المناسبات الأخرى لكافة الأديان. ورمضان هذا العام، حمل في أيامه الأولى مزيدا من غارات البراميل المتفجرة نفذتها مروحيات الجيش، وهجمات انتحارية قادها تنظيم الدولة المتشدد، بالإضافة إلى قصف عشوائي استهدف مناطق سكنية تسيطر عليها الحكومة. واستمرار القتل في رمضان 2015 يتماهى مع القاعدة التي أرستها آلة العنف في أشهر رمضان الماضية، التي شهدت عدة مجازر، واستمرارا للمواجهات الدامية بين الأطراف التي تتقاسم أراضي سوريا الممزقة والمنكوبة. وفي رمضان العام الفائت، استفاق أهالي بلدة إنخل في اليوم الأول من أيام هذا الشهر على مجزرة راحت ضحيتها عائلة بأسرها وارتكبتها مروحيات القوات الحكومية التي احترفت إلقاء البراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين. وطيلة أيام رمضان 2014 استمر العنف في معظم المناطق السورية حاصدا مئات القتلى، بعضهم سقط في مجازر لم ترتكبها آلة الموت التابعة للقوات الحكومية فحسب، بل فصائل معارضة على غرار مجزرة قرية خطاب بريف حماة. أما في رمضان 2013، فقد رفض العنف الركون إلى استراحة وأحبط دعوة وجهها الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بوقف القتال في هذا الشهر الذي شهد تفجيرا هز العاصمة دمشق، وأسفر عن مقتل وأصابة العشرات. وقتل في هذا الشهر مئات المدنيين وسط استمرار معاناة الآلاف من الجوع في شهر الصوم بمعظم المناطق السورية، ولاسيما في حلب، حيث تبادلت القوات الحكومية وفصائل المعارضة محاصرة المناطق التي لا تخضع لسيطرتها. وإن كان رمضان 2013 شهد مقتل المئات، فإن شهر الصوم الذي سبقه حمل نذير تخلي المجتمع الدولي عن مهمة إنقاذ أرواح السوريين، وذلك حين أعلن مجلس الأمن الدولي في 16 أغسطس إنهاء عمل بعثة المراقبين الدوليين. وجاء هذا الإعلان في أواخر رمضان 2012 الذي خضب الموت أيامه، حيث تشير تقارير المعارضة إلى أن حوالى 3 آلاف قتلوا في هذا الشهر، الذي شهد أيضا دخول مدينة حلب في دوامة العنف لأول مرة منذ بدء الأزمة. ففي مارس 2011، كسر سوريون حاجز الخوف لأول مرة حين خرجوا في مظاهرات مناهضة للحكم قبل أن يحصد بعضهم رصاص الموت الذي استمر في قتل المدنيين طيلة الأشهر التالية، ومن بينها رمضان 2011. فقد عسكر رصاص القوات الحكومية المظاهرات السلمية لتدخل البلاد في دوامة من العنف وسط عجز دولي من حماية السوريين، الذين ربما استبدلوا في أمسيات رمضانهم الخامس تغريبة بني هلال برواية قصص موتهم الحتمي.