يبدأ هذا الجزء منَ القرآن الكريم، من الآية [ 142 ] من سورة البقرة، وحتى الآيـة [ 252 ] منهـا، ومـمّـا ورَد فيـه: (ومنْ حيثُ خَرجْتَ فولّ وجهَـكَ شـطْر المسـجد الحـرام ) [الآيتان 149 / 150 ]، هذا الأمْر الذي ورَد في آيتين متتاليتين لأهميته ، يطلب من كل مسلم و مسلمة أنْ يتّجه و لو للحظات نحو المسجد الحرام، ليْسَ في أوقات الصلاة فحسْب ، و لكن منْ أيّ مكانٍ يخرُجُ منه ، سواء كان من محلّ تجاريّ ، أو من سيّارته ، أو منْ بيته ..... ، عليه إعطاء التفاتة و لو قصيرة نحو المسجد الحرام ، كي يتزوّد بـ [ الطـاقة ] التي ينشُـرُهـا المسجد الحرام في كلّ الكرة الأرضية ، ثُمّ يُتابع سيره و سوف يرى الحيوية و النشاط التي يشعر بهـا . إنّ الاتجَاهَ إلى المسْجِدِ الحَـرامِ هُـوَ مِنْ أجْلِ الانسِـجامِ مَعَ الفِطْرَةِ الإنسَـانيّةِ في التوجُّهِ نَحْوَ المَوْطِنِ الأوَّلِ للإنسَـانيّةِ ، فَحينَمـا كانَ صلى الله عليه وسلم يَتَوَجَّهُ في صَلاتِهِ نَحْوَ المسجِدِ الأقْصى ، كَانَ ظَهْرَهُ نَحْوَ المسْجِدِ الحَرامِ [ 180 درجة ] ، وَ هَذا لَمْ يَتَوافَقْ مَعَ فِطْرَتِهِ الإنسانيّةِ : ( قَـدْ نَرى تَقَـلُّـبَ وَجْـهِـكَ فـي الـسَـمَـاءِ فَـلَـنُوَلِّـيَنَّـكَ قِـبْلَـة ً تَرْضَـاهَـا فَـوَلِّ وَجْـهَـكَ شَـطْـرَ الـمَـسْـجِـدِ الـحَـرامِ وَ حَـيْثُ مَـا كُـنْتُـمْ فَـوَلُّـوا وُجُـوهَـكُـمْ شَـطْـرَهُ )[ البقرة 144 ] ، أي : ترْضَاهَا فِطْرَتُكَ الإنْسَـانيّة ، وَ حَتّى غَيْرِ المسْلمينَ يَعْلَمونَ هَذِهِ الحقيقةَ : ( وَ إنَّ الـذينَ أُوتُـوا الـكِـتَابَ لَـيَعْـلَـمُـونَ أَنَّـهُ الـحَـقُّ مِـنْ رَبِّهِـمْ )[ البقرة 144 ] ، لِذَلِكَ كانَ وُجُوبُ التَوَجّهِ للمَسْجِدِ الحَرامِ لِعَدَمِ مُخالَفَةِ الحقيقَةِ مِنْ جِهَة ، وَ عَدَمَ تْرْكِ المَجالِ لِحَديثِ المُغْرضينَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرى : ( وَحَـيْثُ مَـا كُـنْتُـمْ فَـوَلُّـوا وُجُـوهَـكُـمْ شَـطْـرَهُ لِـئَـلاّ يَكُـونَ لِلـناسِ عَـلَـيْكُـمْ حُـجَّـةٌ )[ البقرة 150 ] ، لأنَّ المُنَـافِقِينَ المُغْرضينَ يَرْفَضونَ هَذا الأمْرَ : ( وَ لَـئِـنْ آتَيْتَ الـذينَ أُوتُـوا الـكِـتَابَ بِكُـلِّ آيَةٍ مَـا تَبِعُـوا قِـبْلَـتَكَ )[ البقرة 145 ] . ( وَ مَـا جَـعَـلْـنَا الـقِـبْـلَـةَ الـتي كُـنْتَ عَـلَـيْهَـا إلاَّ لِـنَعْـلَـمَ مَــنْ يَتَّبِعُ الـرَسُـولَ مِـمَّـنْ يَنْقَـلِـبُ عَـلـى عَـقِـبَيْـهِ )[ البقرة 143 ] ، و الـقِـبْـلَـةَ الـتي كُـنْتَ عَـلَـيْهَـا هي : الاتّجاهِ إلى المسـجدِ الأقصى ، و قد كَانَتْ مَـرْحَلَة اخْتِبـارٍ مُؤقَّـتَةً ، وَ لَيْسَتْ قِبْلَةً دائِمَةً ، لِذَلِكَ كَانَ قَوْلُ المُنـافِقينَ السَـاخِرَ : ( سَـيَقُولُ الـسُـفَهَـاءُ مِـنَ الـنَاسِ مَـا وَلاَّهُـمْ عَـنْ قِبْلَـتِهِـمُ الـتي كَـانُوا عَـلَـيْـهَـا )[ البقرة 142 ] ، [ تَمَّ تَحْويلُ القِبْلَةِ بَعْدَ الهِجْرَةِ بِـ 17 شَهْراً ] وَ التوَجُّـهُ نَحْـوَ الكَعْبَةِ أمْـرٌ لَيْسَ بالسَـهْلِ عَلى غَيْرِ الذينَ هَداهُمُ اللّـهُ للاتّـجاهِ إليْـهِ : ( وَ إنْ كَـانَتْ لَــكَـبيرَةً إلاَّ عَـلـى الـذينَ هَـدى اللَّـه ُ)[ البقرة 143 ] ، [ الـلاّم في بداية كلمة لكبيرة هي : الـلاّمُ الفارقـة ] . ( إنَّا لِلَّـهِ وَ إنَّا إلَـيْهِ رَاجِـعُـونَ )[ البقرة 156 ] في هَذِهِ العِبَارَةِ الرَائِعَـةِ التي جَاءَتْنـَا عَلى شَكْلِ آيَـةٍ كَريمَـةٍ مِنَ الخَالِقِ تعالى ، فيهَا نَفْيٌ مَنْطِقيٌّ لِلظُلْمِ عَنْـهُ تعالى ، فَلَمّا كَانَ تَعْريفُ الظَالِمِ أنّـهُ : هُوَ [ الذي يَتَصَرَّفُ بِمَـا لاَ يَمْلُكُ ] ، وَ لَمّـا كَانَ كُلُّ مَا في الوُجُودِ مُلْكٌ للخَالِقِ سُبْحَانَهُ : ( فَسُـبْحَـانَ الـذي بِيَدِهِ مَـلَـكُـوتُ كُـلِّ شَـيْءٍ )[ يس 83 ] ، فَإنِّهُ سبحانه يَتَصَرَّفُ فيمَا يَمْلُكُ ، وَ مَنْ تَصَرَّفَ فيمَا يَمْلُكُ لاَ يَظْلِمُ أحَدَاً : ( إنَّ اللَّـهَ لاَ يَظْـلِـمُ مِـثْقَالَ ذَرَّةٍ )[ النساء 40 ] ، لأَنَّ كُلَّ ذَرَّةٍ في الوُجُودِ مُلْكٌ شَخْصيٌّ لَـهُ ، أمَّـا أيُّ أحَدٍ سِواهُ فَلَيْسَ لَـهُ مِنَ المُلْكِ شَـيْئاً : ( وَ الـذينَ تَدْعُـونَ مِـنْ دُونِهِ مَـا يَمْـلِـكُـونَ مِـنْ قِـطْـمـيرٍ )[ فاطر 13 ] ، وَ القِطْميرُ هُوَ : غِشَـاءُ نَواة التمْرِ ، لِذَلِكَ كَانَ المَنْطِـقُ يَقْتَضي : ( لاَ يُسْـأَلُ عَـمَّـا يَفْعَـلُ وَ هُـمْ يُسْـأَلُـونَ)[ الأنبياء 23 ] ، لاَ يُسْـأَلُ عَـمَّـا يَفْعَـلُ لأنَّهُ : يَصَرّفُ فيما يَمْلُكُ ، وَ هُـمْ يُسْـأَلُـونَ لأنَّهُم يَتصَرّفُون في مُلْكِـهِ ، وَ لَيْسَ في مُلْكِهِمْ . وَ نُلاَحِظُ أنَّ الآيَةَ الكَريمَةَ في سُورَةِ يس ، قَدْ أَوْرَدَتْ كَلِمَةَ مَـلَـكُـوتُ : ( بِيَدِهِ مَـلَـكُـوتُ كُـلِّ شَـيْءٍ )[ يس 83 ] ، وَ المَلَكُوتُ غَيْرُ الملكيَّةِ ، فالمُلْكِيَّةُ تَكُونُ ظَاهِريَّةً للشَـيْءِ ، أمَّا المَلَكُوتُ فَهُوَ مُلْكِيَّةُ كُلِّ ذَرَّةٍ في الشَيْءِ ، فَنَحْنُ لَسْنَا عَبيدَاً وَ مُلْكَاً ظَاهِريّاً لِلّهِ فقط ، بَلِ اللّهُ يَمْلِكُ وَ يَحِقُّ لَـهُ التَصَرُّفُ بِكُلِّ ذَرَّةٍ فينـَا مَتى مَا يَشَاءُ وَ كَيْفما يَشَـاءُ ، وَ هَذَا هُوَ المَلَكُوتُ : ( إنْ يَشَـأْ يُذْهِـبْـكُـمْ وَ يَأْتِ بِخَـلْـقٍ جَـديدٍ )[ فاطر 16 ] ، بَيْنَمَا تَكُونُ المُلْكيَّةُ ذَاتُ شَكْلٍ ظَاهريٍّ فالذي يَمْلِكُ حِصَانَاً مَثَلاً ، يَمْلِكُهُ بِشَكْلِهِ الظَاهريِّ [ حَقُّ الانْتِفاعِ ] ، لاَ بِشَكْلِ مَلَكُوتِ كُلِّ ذَرَّةٍ فيـهِ . مصيبة الإنسان إذَا أَصَابَتِ الإنْسَانَ مُصِيبَةٌ قَالَ : ( إنَّا لِلَّـهِ وَ إنَّا إلَـيْهِ رَاجِـعُـونَ )[ البقرة 156 ] ، أيْ : نَحْنُ مُلْـكٌ للّـهِ وَ اللّـهُ قَـدْ تَصَـرَّفَ فيمـا يَمْلُكُ ، وَ في هَذا نَفْيٌ للظُلْمِ عَنِ اللهِ سُـبْحَانَهُ ، فَنُلاَحِظُ أنَّ الإنْسَانَ بِقَوْلِهِ هَذَا يَنْفي الظُلْمَ عَنِ الخَالِقِ سُبْحَانَهُ ، باعْتِرافِهِ أنَّ اللّهَ قَدْ تَصَرَّفَ فيما يَمْلُكُ ، فَيَكُونُ جَزاءُ الذينَ يَقُولُونَ هَذا القَوْل ِ، مُعْتَرِفينَ بِعَدَمِ ظُلْمِ اللّـهِ لَهُمْ : ( أُولَـئِـكَ عَـلَـيْهِـمْ صَـلَـواتٌ مِـنْ رَبِّهِـمْ وَ رَحْـمَـةٌ)[ البقرة 157 ] ، و صَـلَـواتٌ أي : سكينَةٌ و اطْمِئْنانٌ في الدُنْيا وَ الآخِرَةِ ، وَ هَذِهِ الرحْمَةُ كافيَـةٌ لِدُخُولِهِمُ الجَنّـَةَ . الصَــفـا الصخرة الملساء والـمـروة البيضاء يَطوف الحُجّاجُ بَيْنَ صخرتيْ [ الصَفـا ] و معناهـا : الصخرة الملساء ، وَ مُذَكَّرُ الصَـفا : صَفْوانٌ [ الحَجَرُ الأمْلَسُ ] : ( فَمَـثَـلُـهُ كَـمَـثَـلِ صَـفْـوانٍ عَـلَـيْهِ تُرابٌ )[ البقرة 264 ] ، أمّا [ المَروَة ] فـمعناهـا : الصخرة البيضاء ، وَ يَحْلِقونَ شُعُورَهُمْ عِنْدَ المَرْوَة : ( إنَّ الـصَــفَـا وَ الـمـرْوَةَ مِـنْ شَـعَـائِرِ اللّـهِ فَمَـنْ حَـجَّ الـبيتَ أوِ اعْـتَمـرَ فَلاَ جُـناحَ عَـلَـيْهِ أنْ يَطَّـوَفَ بِهِـمَـا )[ البقرة 158 ] . و المسافة بين الصفـا و المروة هي 420 متراً ، ففي السعي بينهُمـا سبعة أشواط ، يكون الحاجّ قد سار نحو 3 كيلومترات، و هذه رياضةٌ للمشي فيهـا كل الصحة و الحيوية إضافةً لثوابهـا الكبير. يقولُ خُوَيْلـدُ الهُـذَليّ : حتّى كَأنيّ للحَوادِثِ مَـرْوَةٌ بِصَـفا المُشَـرِّقِ كُلَّ يـومٍ تُقْرَعُ الصـوم و الصـيام : إنَّ القُرْآنَ الكَرِيْمَ لَيْسَ بِـهِ كَلِمَاتٌ مُتَرادِفَـةٌ ، فَعِنْدَمَـا تُذْكَرُ كَلِمَةُ [ صَـوْم ] بِحَرْفِ الواو ، فَإِنَّهُ لاَ يَقْصُدُ بِهَـا كَلِمَةَ [ صِـيَام ] بِحرف اليـاء ، وَ كَلِمَةُ : [ الصِـيَامِ ] يَقْصُدُ بِهَا القُرْآنُ الكَريْمُ الامْتِنَـاعُ عَنِ الطَعَامِ وَالشَـرابِ وَ باقي المُفْطِـراتِ : ( يَا أَيُّهَـا الـذِيْنَ آمَـنُوا كُـتِبَ عَـلَـيْـكُـمُ الـصِـيَامُ )[ البقرة183 ] و ليْس [ الصـوْمُ ] ، أَيْ أنَّ [ الصِيَامَ ] يَخُصُّ المَعِدَةَ بِالدَرجَةِ الأُولى ، وَ هُوَ الفَرِيْضَةُ التي يُؤَدّيها المُسْلِمُونَ في شَهْرِ رَمَضَان . أمّا : [ الصَـوْمُ ] بِحرف الـواو ، فَيَخُصُّ اللّسَـانَ وَ قَوْلَ الحَقِّ ، سَواءٌ في رَمَضَـانَ أَوْ غَيْرِهِ ، وَ الدَلِيْلُ عَلى ذَلِكَ ، أَنَّ مَرْيَمَ عليها السلام كَانَتْ تَأْكُلُ وَ تَشْرَبُ ، مَعَ ذَلِكَ كَانَتْ نَاذِرَةً لِلرَحْمنِ [ صَوْمَاً ] : ( فَـكُـلِـي وَاشْـرَبي وَ قَـرّي عَـيْنَاً وَ إِمّـا تَرَيِنَّ مِـنَ الـبَشَـرِ أَحَـدَاً فَقُولـي إِنّي نَذَرْتُ لِلْـرَحْـمَـنِ صَـوْمَـاً )[ مريَم 26 ] ، وَ ليْسَ [ صِـياماً ] . وَ [ الصِـيَامُ ] لِوَحْدِهِ دُونَ أنْ يُرافِقَهُ [ الصَـوْمُ ] ، لاَ يُؤَدّي الغَرَضَ المَطْلُوبَ مِنْهُ ، كَمَا أَوْضَحَ ذَلِكَ الحَدِيْثُ الشَريْفُ : [ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُورِ وَ لعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلّهِ حَاجَةً في أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَ شَرابَهُ ] ، فالذي يَتَذَرَّعُ بالصِـيَامِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُعَامِلَ الآخَرِيْنَ بِجَفَـاءٍ وَ [ عَصَبيَّةٍ ] وَ سُوءِ خُلُقٍ ، لَيْسَ لِلّهِ حَاجَة في أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَ شَرابَهُ ، فالمَطْلُوبُ أَنْ يَتَلاَزَمَ الصَوْمُ مَعَ الصِيَامِ ، لِتَكُونَ تَصَرُّفاتِنَا وَ سُلُوكَنَا خِلاَلَ رَمضَانَ أَفْضَلَ مِنْ أيِّ وَقْتٍ آخَرَ ، حَيْثُ الاخْتِبَارُ الحقيقيّ لِلصَبْرِ ، لَيْسَ بالجُوعِ وَ العَطَشِ ، وَلكِنْ بِأُسْلُوبِ التَعَامُلِ مَعَ الآخَريْنَ ، كَمَا تُوْضِحُ الآيَةُ الكَرِيْمَةُ : ( وَجَـعَـلْـنَا بَعْـضَـكُـمْ لِـبَعْـضٍ فِتْنَةً أَ تَصْـبِرونَ )[ الفرقان 20 ] ، فَمَا أَحْوَجَنَا لِلصَوْمِ في رَمْضَانَ وَ غَيْرِهِ مِنَ الأَشْهُرِ ، إِضَافَةً لِصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَان ، فَفِي ذَلِكَ فَقَطْ تَنْتَهي المَشَاكِلُ . رمضـان لقـاء الأديـان : إنَّ الكُتُبَ السَـماويَّة الثَـلاثَ قدْ نزلتْ في شَـهْرِ رَمَضَـان ، وَ لَيْسَ القُرْآنُ الكَـريمُ وَحْدَهُ ، لِقَوْلِـهِ تعـالى : ( شَـهْـرُ رَمَـضَـانَ الـذي أُنْـزِلَ فِـيْهِ الـقُـرْآنُ هُـدَىً لِلْـنَاسِ وَ بَيِّنَاتٍ مِـنَ الـهُـدى وَالـفُرْقَان )[ البقرة 185] . 1 _ فالقـرآن الكـريمُ هُـدَىً لِكُلِّ النـاسِ ، فَهُوَ يَحْتـوي كُلَّ التشْـريعات . 2 _ بَيِّنَاتٍ مِـنَ الـهُـدى : هوَ الإنْجيلُ : ( وَلـقَـدْ آتَيْنا عـِيْسـى بن مـرْيَمَ الـبيِّنات )[ البقرة 87 ] 3 _ الـفُرْقَان : كَانَ لِمُوسى عليه السلام : ( وَلَـقَدْ آتَينا مـوسـى وَهـارون الـفُـرْقان )[ الأنبياء 48 ] لِذَلِكَ يَجِبُ أنْ يَكُونَ رَمْضانُ هُوَ شَـهْرُ حِوار الأدْيَانِ السَماويَّة الثـلاث ، لاَ أَنْ يَكُونَ حِكْراً للمُسْلمينَ فَقَـط ، وَ قَدْ أوْضَحَ القُـرْآنُ ذَاتُـهُ أَنَّهُ لاَ يَجُـوزُ لأحـدٍ أنْ يَحْتَكِرَ الخَـلاَصَ لِنَفْسـهِ : ( لَـيْسَ بَأمَـانِيِّكُـمْ وَ لاَ أمَـانيِّ أهْـلِ الـكِـتَابِ مَـنْ يَعْـمَـلْ سُـوءَاً يُـجْـزَ بِهِ وَ لاَ يَجِـدْ لَـهُ مِـنْ دُونِ اللّـهِ وَلِـيَّاً وَ لاَ نَصِـيراً وَ مَـنْ يَعْـمَـلْ مِنَ الـصَـالِـحَـاتِ مِـنْ ذَكَـرٍ أوَ أُنْثـى وَ هُـوَ مُـؤْمِـنٌ فَأولَـئِـكَ يَدْخُـلُـونَ الـجَـنَّةَ )[ النساء 123 ] يتربّصـنَ ، وصـيّةً : مَوْضُوعُ العِدَّةِ : ( وَ الـذينَ يُتَوَفَّـوْنَ مِـنْـكُـمْ وَ يَذَرونَ أَزْواجَـاً يَتَـرَبَّصْـنَ بِأنْفُسِـهِـنَّ أَرْبَعَـةَ أَشْـهُـرٍ وَ عَـشْـراً فَإذا بَلَـغْـنَ أَجَـلَـهُـنَّ فَـلاَ جُـنَاحَ عَـلَـيْـكُـمْ فِيمَـا فَعَـلْـنَ فـي أَنْفُـسِـهِـنَّ بِــالـمَـعْـروفِ)[ البقرة 224 ] استَخْدَمَ حَرْفَ [ البَـاءِ ] للجَرِّ في كلمة : [ بالمعروف ] ، للدَلاَلَةِ عَلى أَمْرٍ واحِـدٍ مَعْروفٍ هُوَ الـزَواجُ فقطْ وَ لِذَلِكَ جَاءَتْ كَلِمَةُ [ الـمعْروفِ ] مُعَرَّفَةٌ بِـ [ الْ ] ، لذلك هذه لآية الكريمة تتحدّث عن موضوع واحد هو : [ العدّة للمرأة ] . مَوْضُوعُ النَفَقَـةِ : ( وَ الـذينَ يُتَوَفَّـوْنَ مِـنْـكُـمْ وَ يَذَرونَ أَزْواجَـاً وَصِـيَّـةً لأزْواجِـهِـمْ مَـتَاعَـاً إلـى الـحَـوْلِ غَـيْرَ إخْـراجٍ فَإنْ خَـرَجْـنَ فَـلاَ جُـنَاحَ عَـلَـيْـكُـمْ فِيمَـا فَعَـلْـنَ فـي أَنْفُـسِـهِـنَّ مِـنْ مَـعْـروفٍ )[ البقرة 240 ] هذه الآية الكريمة تتحدّث عن [ الوصية المالية ] في حال وفاة الزوج ، و هذه الوصية تَكْفيهَا، كَيْ لاَ تَضْطَـرَّ المَرْأةُ للخُروجِ إلى العَمَـلِ ، و لذلك استخدم هنـا حرف الجرّ [ منْ ] ، وجاءت كلمة [ معروف ] غير معرّفة بـ [ ال التعريف ] ، للدلالة على حالات عدة أمام المرأة في البحث عن عمل شريف تقوم به بعد وفاة زوجهـا . كل هـذا و اللـه أعلم