كتبت - رباب أحمد: إسحاق قاسم خنجي اسم مألوف في مجالات عديدة في البحرين وفي المنطقة، فهو من جهة أحد أهم الفنانين التشكيليين في البحرين، ومن جهة أخرى فله أنشطة رياضية عديدة كان من بينها تدريب فريق نادي النجمة الخليفية والذي كان يرأسه عاهل البلاد جلالة الملك الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، وكان العاهل أحد لاعبيه البارزين، ومن جهة ثالثة فإسحاق خنجي أرشيف وفير من التاريخ البحريني، ومرجعية لا يستهان بها، فمنزله الكائن بمدينة عيسى عبارة عن معرض بسيط في شكله وثري في محتواه من أعماله الفنية لوحات، مجسمات، إلى جانب أعمال بعض الفنانيين العرب، ولديه العديد من الصور النادرة لكبار الشخصيات وصغارها بدءاً بصور لبعض أفراد العائلة الحاكمة، وليس انتهاءً بصور العديد من الشخصيات المعروفة، وصور العامة، وصور للأماكن في فترات زمنية متعددة. وليس هذا فحسب فإسحاق قاسم خنجي يمتلك بعض الوثائق التاريخية النادرة التي تخص تاريخ البحرين ورجالاتها، وهو يحتفظ بالعديد من الصحف والمجلات والمطبوعات القديمة والتي يمكن من خلالها توثيق مراحل عدة من الماضي والحاضر. كتب عنه الكثير، عن تاريخه وأعماله، وأخذوا منه الكثير، البعض منهم استغل طيبة قلبه فسرب بعض من أرشيفه دون علم منه! فسحة تنفس ورغم أن إسحاق خنجي يعيش اليوم بمفرده في منزله الذي مر عليه أكثر من 30 عاماً، إلا أن أنه يتنفس بفسحة زيارات أصدقائه ومعارفه العديدة له من داخل وخارج البحرين من حين لآخر، كما يحضر الفعاليات والأنشطة الثقافية. ويمارس رياضة اليوغا غير آبه بتاريخ ميلاده على شهادة الميلاد، وما الضير مادام قلبه مفعماً بالحياة! يبدأ يومه بقراءة صحيفة الأيام فهو أحد مشتركيها منذ أعوام، إضافة إلى متابعته صحف أخرى، يطالع بعض برامج التلفزيون، سيما الفنية والرياضية منها، يستعيد ذاكرته بآلاف الصور التي يمتلك، ويعيد تأنيق لوحاته وأعماله الفنية ويمسح عنها غبار الزمن. بالنسبة إلى إسحاق خنجي فان حلمه الأكبر هو امتلاك منزل كبير يحوله إلى معرض دائم للسياح ولكل الراغبين في الاطلاع على الفن، وأن يخصص فيه ورشة فنية يواصل فيها القيام بالأعمال الفنية المتنوعة، ليؤكد عبر هذا أنه مازال قادراً على العطاء لهذه الأرض اليانعة. كل شيء يبدو موثقاً ومأرشفاً بالتواريخ والصور، حتى زوار منزله، فلا يفوته تدوين تاريخ زياراتهم له على البزنز كارت والتقاط صور لهم. أما حلمه الأعظم فهو إنشاء متحف وطني دائم وثابت للفنون التشكيلية، يوثق أعمال رواد الفن التشكيلي في البحرين، ويدعم الفنانيين الحاليين، وأبناء الغد، وعلى صعيد آخر ليكون قبلة للسياح والمهتمين بالفن، ومكتبة توثق كل تاريخ الفن التشكيلي وردواه في البحرين. إسحاق خنجي الذي هو على استعداد لعمل دراسة شاملة لمحتويات المتحف عرض قبل أعوام عديدة هذا الحلم العظيم على عدد من الشخصيات الرسمية وأكثرها إن لم يكن جميعها، استحسن بالفكرة ورحب بها، إلا أنها وللأسف الشديد لم تر النور بعد. فريج العوضية ولأن الكثير من الزملاء كتب عن سيرة الفنان التشكيلي إسحاق خنجي فاننا هنا سنحاول الحديث عنه من الجهات التي لم يتم الطرق لها. يقول إسحاق خنجي في حواره مع الأيام: ولدت في العام 1943 بحي العوضية والذواودة في المنامة بالقرب من رأس رمان، والدي الشيخ قاسم عبدالجبار خنجي كان عمدة المنطقة ومن هنا جاءت تسميته بـ الشيخ، كانت حفلات الأعراس تقام في منزلنا الذي يعلوه البادقير، والدتي من عائلة خنجي أيضاً، وجدي عبدالجبار خنجي كان والياً على البصرة أيام العثمانيين. وكان منزل الفنان التشكيلي إسحاق خنجي فيفريج العوضية والذواودة يتضمن العديد من المنازل المعروفة مثل منزل زين العابدين، بيت جاسم العامر، حسن عبدالرسول، القاضي، فيروز وكان بيت فيروز مشهور بالفن، وتأثرت بهم، وبيت التاجر المعروف الحاج محمد طيب خنجي، والتاجر المعروف سليمان البسام وغيرهم. عائلة واحدة يقول خنجي بأن كل هذه البيوت وغيرها من بيوت الحي ورغم أنها من عائلات متعددة، إلا أنها كانت تبدو كعائلة واحدة، كل أبوابها مفتوحة للجميع وفي جميع الأوقات، دون مواعيد أو رسميات. ولأن الالفة والمودة تغلف علاقة الجيران، يذكر إسحاق خنجي أحد المواقف الدالة على العلاقة الوطيدة بين الجيران والتي حدثت قبل ولادة إسحاق ونقلها له والده، وهي أن جارهم حسن عبدالرسول، والذي كان طواشاً ولسبب ما، لم يتمكن من استقبال الشيخ زايد آل نهيان والذي كان طواشاً هو الآخر في ذلك الوقت، وكان قادماً للبحرين واستقبله أب إسحاق خنجي في منزله. ويتابع إسحاق بصوت مفعم بالهدوء ترتيبنا في العائلة يأتي على هذا النحو: عبدالصمد، عبدالقادر، اسحاق، عبدالواحد، عبدالجبار. درس إسحاق خنجي على يد الملا محمود في المطوع القرآن الكريم، وبعض الأحاديث النبوية، وكانت هذه الدروس تقام في مسجد الشيخ قاسم نسبة إلى والد إسحاق خنجي، وكان الملا محمود يشتهر بالتنظيم والشدة، وكان من بين الذين يدرسون مع إسحاق خنجي في المطوع بسام البسام ومصطفى فقيهي وغيرهم. تشجيع الأهل ومنذ سن السابعة بدأ خنجي ممارسة هواياته والمتمثلة في كرة القدم والسلة بالإضافة إلى الرسم. وكان يرسم العديد من الشخصيات سيما المعروفة في تلك الفترة ومن بين الشخصيات التي رسمها حاكم دول عربية أمثال الرئيس المصري جمال عبدالناصر، والرئيس السوري شكري القوتلي، محمد مجيد وعاهل البلاد الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة. ويوضح إسحاق خنجي بأن هوايته هذه لاقت تشجيعا من قبل الأهل سيما الوالد والوالدة والمدرسين والمدير بالمدرسة الشرقية في المرحلة الابتدائية، وقد كان مدير المدرسة حينها حسن الجشي وخير الدين الاتاسي من بعده، ومن بين المعلمين في تلك المدرسة آنذاك أحمد السني، أحمد يتيم، وخليل زباري وخليفة غانم الرميحي، وغيرهم. كان مدير المدرسة يشجعنا على الرسم، وكرمني في الطابور الصباحي وعرض بعض لوحاتي، كما كان المدرسون يشجعونني على ذلك ايضاً. ومن بين الشخصيات التي آثرت في شخصيتي حين كنت في مرحلة الطفولة اللاعب والرسام المشهور محمود أكبر والذي كان يقطن ذات فريجنا فقد كنت اذهب له وأطلع على لوحاته وكان يشجعني، فكان لكل هذه التشجيع دور كبير في استمراره في ممارسة هذا الفن، إلى جانب الأعمال اليدوية والخط العربي. وكنا نذهب للمدرسة مشياً على الأقدام في فترتين، الأولى صباحاً والثانية عصراً، وكنت أسهر ليلاً لممارسة هواية الرسم. والتحقت بمدرسة المنامة الثانوية وتخصصت في مجال التجاري، ودرست برفقة الدكتور غازي القصيبي، محمد كانو، محمد عيد بوخماس، إبراهيم علي إبراهيم، علي قاسم ربيعة وغيرهم ممن أصبحوا لاحقاً شخصيات معروفة عملت في مختلف المجالات والتخصصات منها التدريس، الصرافة، الصحة، الخارجية، الأعمال والسياسة وغيرها. ويبن إسحاق خنجي بأنه ولشدة تولعه بالرياضة، كان يذهب على السيكل من المنامة للمحرق ليلعب في فريق النهضة، ويرجع على السيكل أيضاً، خلال فترة دراسته في المرحلة الثانوية في منتصف الخمسينيات من القرن 20. كما لعب إسحاق خنجي في فريق الاتحاد والنجوم وفي فرق رياضية أخرى. ترقبوا الجزء الثاني من ذكريات المرحوم الأستاذ الفنان إسحاق خنجي.