اسمح لي يا ابن عمي يرحمك الله؛ فقد قلت يوماً: مات الفقير ما درينا... ومات الغني كلنا بكينا لم يكن طارق جاسم عبدالرحمن تلفت يرحمه الله ويسكنه فسيح جناته غنياً بماله، وإنما كان غنياً بخصاله وعفوية طيبته، وسعيه الدائم لعمل الخير في السير في الجنائز، والمشاركة في الصلاة على الموتى والدعاء لهم بالمغفرة والرضوان، وتوزيع الماء على المعزين ومواساة أهل الراحلين فهو رغم أنه مواطن بسيط، فقد شيعه من أهل البحرين الكثير يوم الرحيل في مقبرة المنامة، كلهم تذكروا هذا الرجل ومن علم برحيله المبكر تذكر أنه قبل يوم من وفاته كان معهم ملء السمع والبصر، يشارك في التشييع ويوزع الماء على المشيعين فلم يكن يا ابن عمي طارق غنياً ولكننا جميعاً بكينا لفقده، فهو كان دائماً متواجداً في أداء صلاة الجنازة، الفرض على الكفاية عن جمهور العلماء فتراه في مقبرة المنامة، والمحرق، والحد، والبديع، والزلاق، والحنينية، وكل المقابر التي يعلم بوجود راحل فيها عن الدنيا، وإذا لم يحضر التشييع، فإنه يزور أهل المتوفين في مواقع عزائهم في جميع مدن وقرى البحرين. طارق آثر أن ينتقل من مكان إلى آخر ومعظم تنقلاته مشياً على الأقدام، ولا تستغرب أن يكون هو أول من يحضر وآخر من ينصرف، فقد نذر نفسه لعمل مثل هذا الخير، نسأل الله له الأجر والثواب والإحسان. أبلغني أحد أصدقائه إنهم مجموعة يتواجدون في بعض المساجد التي تقام فيها الصلاة، ويشاركون بأنفسهم في التشييع تطوعاً وابتغاء مرضاة الله، وكان طارق يشاركهم ذلك؛ غير أنه ينتقل من مكان إلى آخر بمجرد علمه بجنازة في أي مكان، وكان هذا يمثل بالنسبة له غاية الرضا النفسي المطلوب. طارق من الذين ورث عن أبيه إحياء الموالد؛ فقد كان يشارك الجماعات التي تقوم بأداء الموالد في البيوت في مناسبات كثيرة؛ وكان يغريك بأهمية إحياء مثل هذه المناسبة لأن فيها ذكر الله سبحانه وتعالى وذكر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وسيرته الشريفة، والأشعار والمدائح النبوية لكبار الشعراء الذين أسهموا في المدائح النبوية المشهورة، كهمزية البصيري ونهج البردة لأحمد شوقي، وقصيدة البردة، أو الكواكب الدرية في مدح خير البرية، لمحمد بن سعيد البوصيري في القرن السابع الهجري، الموافق للقرن الحادي عشر الميلادي والتي يقول فيها: محمد سيد الكونين والثقليـ ـن والفريقين من عرب ومن عجم نبينا الآمر الناهي فلا أحد أبر في قول لامنه ولا نعم هو الحبيب الذي ترجى شفاعته لكل هول من الأهوال مقتحم دعا إلى الله فالمستمسكون به مستمسكون بحبلٍ غير منفصم وهذه القصائد وغيرها تعتبر من مراجع قصائد الموالد التي كنا نشهدها في بلادنا في مناسبات كثيرة، وكان الناس ببساطتهم وعمق إيمانهم يتحلقون حول هذه المناسبات للذكر، والتي كما نعلم بأن بعض البلاد العربية إن لم تكن معظمها تحتفي بهذه الموالد، كمصر، والمغرب، والسودان وموريتانيا وبلاد الشام. كنت وابن عم المرحوم طارق، محمد بن علي تلفت نتذاكر مع طارق يرحمه الله أدواره في مثل هذه الموالد، وكان في كل مرة يكرر على مسامعنا متى ستدعوننا لإحياء ليلة المولد عندكم؟، فقد كان يرحمه الله مواظباً على الحضور والمشاركة في هذه المناسبات. طارق وغيره من رجال مجتمعنا يحبون عمل الخير ويسعون له، ونحن في حياتنا تمر علينا مناسبات كثيرة تستدعي منا أن نتعاون مع بعضنا بعضاً وأن نقدم الخير لمن يحتاج إليه، البعض من الله عليه بالمال فهو ينفق منه الصدقات والزكاة، ومنا من يملك الزاد فهو ينفق منه على المحتاجين ومنا من يتبرع بكلمة الحق والصدق فيوصلها لمن على يديه يكون الفرج ويكون الخير للإنسان أياً كان عمره أو جنسه، أو لونه أو مستواه المعيشي؛ فالكلمة الطيبة صدقة، والمواقف الإنسانية كثيرة ومتعددة، قد يستفيد منها الفرد وقد تستفيد منها الجماعة، والسعي لبناء المجتمعات وتقويتها والبناء عليها، نحن كمسلمين مأمورون بهذا المسعى لخير الإنسانية والبشرية، فما بالنا بأبناء الوطن، إذ نحن ألزم بحسن معاملتهم وبذل المزيد من الجهد في إسعادهم وإدخال السرور عليهم. طارق جاسم تلفت ألهمه الله لعمل الخير من خلال القيام بجهد عمل تطوعي من خلال المشاركة في تشييع من اختارهم الله إلى جواره نحسبه عند الله من الأخيار إن شاء الله وممن ينعم الله عليهم بالمغفرة والرضوان.. ونحن ولله الحمد في مجتمع آمن، مجتمع التكاتف والتآزر، والتعاون، مجتمع نعرف بعضنا بعضاً، عشنا معاً وتقاسمنا حب هذا الوطن وأهله معاً، ودائماً ندعو الله بأن لا يغير علينا ما ننعم به من أمن وأمان وأن نسير معاً نحو بناء هذا الوطن العزيز بكل الحب والوفاء والتفاني. وعلى الخير والمحبة نلتقي.