ليس سهلاً على النفس أن يمر حدثٌ بحجم وفاة كبير المذيعين السعوديين الدكتور (بدر كريِّم) رحمه لله دون الوقوف عنده؛ لاستلهام شيء من سيرة الراحل الحافلة بالإنجاز، وعصاميته الفريدة في سبيل تحقيق طموحاته. حينما أكتب عن الراحل بدر كريِّم فقد أكون مقصرًا بحقه، مخلاً ببعض ما يستحقه؛ كوني لست من مجايليه، غير أن وسائل التقنية الحديثة كانت كريمة مع جيلنا اليوم وهي تبسط لنا شيئًا من تاريخه وسيرته وقصة كفاحه ومنجزه في المشهدَين الإعلامي والثقافي؛ فقد جادت علينا بشيء من سيرة (بدر كريِّم) سواء عبر تسجيلاته الإذاعية والتلفزيونية، أو عبر البرامج التي أُجريت معه حديثًا في الإذاعة والتلفزيون والصحف، أو من خلال مؤلفاته، أو من خلال مقالاته الصحفية، وهو ما جعلني أقف على شيء من سيرته وتميزه مع الإعلام. ولذا فلا غرابة أن يرتبط اسم بدر كريم بالخطوات الأولى للإذاعة والتلفزيون السعوديين وبجيلهما الذهبي، ويصطف مع الأساطير الإذاعية المتمكنة من أدواتها. أعجب ما في سيرة المرحوم هي نقطة التحول التي أفضت به إلى الإذاعة ومنها انطلق محلقًا في سماء الكلمة والإبداع، وهي القصة التي أوردها في لقاء أجراه معه الإعلامي محمد السهيمي في برنامج (المشاهير) حينما ذكر أنه كان يعمل مراقبًا للمطبوعات بالمديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر، وكان أستوديو التسجيل والبث الإذاعي في الدور الذي يعلوه، وكان محبًّا للإذاعة، مقلدًا لمذيعي الـ(BBC) اللندنية، وكان يصعد للأستوديو ليشاهد بإعجاب المذيعين والمخرجين. يذكر أنه صعد ذات يوم وشاهد المذيع (خميس السويدان) مقدم برنامج (ركن الطالب) ينظر لساعته بقلق، فسأله فأجابه بأنه ينتظر أحد الطلاب ليجري معه حوارًا ولكنه تأخر، فقال له: (ممكن تجربني) فنظر له باستغراب، فكرر عليه: جربني يا أستاذ، وبالفعل وافق وسجل معه حوالي دقيقتين، وعندما استمع مراقبُ الإذاعة (حسين صابر) لصوته رفع تقريرًا للمراقب العام (عباس غزاوي) مشيدًا به، وبالفعل استدعاه غزاوي واختبره بحضور (عزيز ضياء) ثم ألحقه بالإذاعة. حصل أن اتصلتُ بالمرحوم قبل سنتين ليكون ضيفًا علينا في اللجنة الثقافية بالعُرضيَّات التابعة لأدبي جدة، فوافق بسرور بالغ، وبعد أشهر اتصلت به لتذكيره بحلول الموعد فرد عليَّ بصوت واهن، وذكر لي أنه في المستشفى تحت وطأة المرض، واعتذر بشدة مؤكدًا على أنه سيأتينا متى خف عنه المرض، وكان قَدَرُ الله أسبق. واليوم نودع بدر كريم ونودع معه رمزًا متفردًا من رموز الإعلام بصوته الدافئ وقدرته الفائقة على إعطاء الكلمة حقها، فصاحةً في المنطق وسلامةً في اللغة. فعزائي الحار لأولاده، ولمحبيه، وللإذاعة والتلفزيون، وللكلمة الراقية (منطوقة ومكتوبة) في فقيدها البار بها. وقفة: أين يُخفي (المرجِفون) اليوم وجوهَهم بعد أن أفتت سيدتهم (أمريكا) بأنه لا يوجد دليل على تورط السعودية في هجمات (11/سبتمبر)؟. Mashr-26@hotmail.com