عزيزي المسؤول، رجلاً كنت أم امرأة، حدود المسؤولية هنا، غير مؤطرة بتلك الشارة البارزة على الزي الرسمي أثناء أوقات الدوام، ولا تقف عند حدود بطاقة البزنس كارد. كلنا مسؤولون، وسوف يتم سؤالنا عن أعمالنا الدنيوية، قبل أن يتم فرد كشف الحساب من بنك الدنيا إلى العالم الآخر، ليقضى فيه بلا مجاملة، بالعدل الرباني، المُنزّه عن التجاوز أو الخطأ. ليس بالضرورة أن تكون وزيراً أو مديراً أو ذا منصب رفيع ليطلق عليك لقب مسؤول، كلنا مسؤولون أمام الله أولاً، ثم أمام أنفسنا ووطننا وقادتنا وأبناء وطننا وإخوتنا المقيمين على ذات الأرض. في جميع المواقع، من أعلى درجات السلم الوظيفي حتى أدناه، أنت مسؤول. وحبذا ألا تنسى بعد صعودك، أنك موظف أيضاً لخدمة جمهور المتعاملين، وأن من وثق بك وعهدك على مصالحهم وحاجاتهم، تأمل فيك الخير، فأطلق يدك، لتكون خير من يمثله، فأحسِن التمثيل، ولتكن على قدر تلك الثقة برد الجميل. الفرّاش الذي يكنس أرضية مكتبك ويمسح طاولتك ويلمع حاجزه الزجاجي، ثم يرمي ما امتلأت به الحاوية، أنت أول من سيحاسبه على بقايا آثار قطرات القهوة المنسكبة على السجادة، لأنه هو المسؤول أمامك، ولم يتقن أداء مهمته بضمير، حتى وإن كانت نوعية محاليل التنظيف التي أُعطيت له من النوع الرديء، وليست ذات جودة عالية! الجندي حامٍ للوطن، مسؤول بالذود عن أرضه، الطالب مسؤول بمستقبله الذي اشترته دولته بالغالي والنفيس، والموظف بإتقانه وأمانته، والكاتب بسلامة فكره واستقامة منهجه، والداعية بلم شمل الأمة وتجنيبها الفتن والفرقة والشتات، وكل من ينتمي إلى أرض الإمارات مسؤول بالإخلاص والولاء لأولي الأمر بالسمع والطاعة، والمرأة مسؤولة لأنها أساس ما سبق. هناك مقولة في علم الإدارة للشهير ستيفن كوفي تقول: قبل أن تبدأ صعود سلم النجاح، تأكد أنه يتكئ على المبنى الصحيح. لأنه، وببساطة، في حالة الاستهانة بدقة موقع المبنى ومتانة جدرانه سينزلق السلم، وربما تكفيه هزة واحدة لينهار هو والدرج على رأس صاحبه في آن واحد. كن على يقين أن ذلك الكرسي العزيز خاصتك، والذي قيمته أثقل من وزنه، موجود، والحمد لله، ولكنه سيخضع بإذن الله دورياً لعملية إعادة تدوير، لينتهي بمواصفات تليق بأن يُختم عليه صُنع في الإمارات. وأنت تدخل إلى مقر عملك، رجاء حار، لا تنسَ ابتسامتك في دولاب ملابسك، إذ ليس من حقك أن تصافح المتعاملين بعبوسك وإشاحة وجهك، في حين مثلاً أنك لم تبتكر المساحة التي توفر لهم إنجاز معاملتهم بسلاسة، خصوصاً إن كان ابتكار المساحات من صميم عملك! ولا تنسَ أنك ربما تقف يوماً بنفس الطابور، ليسوق لك الله نسخة أخرى منك، فكافح الأصل.. عزيزتي في خدمة المتعاملين، يرجى العلم بأن المتعاملين معك لم يقصدوكِ لسواد عينيك، هم مضطرون لتحمل سوء سلوكك، وبالتالي، لا ذنب لهم بمشاكلك الشخصية أو خلافاتك الزوجية أو تدني مستوى أبنائك الدراسي، لتنقلي توترك وضيق خلقك وسوء تعاطيك وأسلوبك غير الحضاري إلى الآخرين. هم لا يعرفون لأي بيئة تنتمين، سوى أنك تمثلين بموقعك هذا الإمارات، عاكسةً أسوأ واجهة لإدارتك التي تخدم قطاعاً أساسياً من الجمهور، ويتفانى مسؤولوها الكبار للتميز، فأساس المشكلة هو عدم وضع الموظف المناسب في المكان المناسب. الموظفون الذين يعملون في المؤسسة التي تديرينها، ليسوا عمالاً لتلميع صورتك، أو جنوداً لتعزيز إعلانات تحسين إنتاجيتك، هم يقدمون أفضل ما عندهم لدعم وتعزيز مستحق لإماراتنا نحو الأفضل والأجود والأسعد، نحو الرقم واحد في جميع الأصعدة، وسيكونون سعداء، لو تذكرت أنك أنت أيضاً موظف ضمن طاقم الفريق الوطني للدولة. هم ليسوا مضطرين لتحمل تبعات فاتورة استعراضاتك، حاول أن تعيش باتزان، الحياة مراحل، فحافظ على سلم درجتك الفعلية. عزيزي المسؤول، تستطيع الحلم، ويستطيع فريقك العمل على تحقيق هذه الأحلام، حين تلامس سقف احتياجات وتطلعات وتوقعات المتعاملين، وبما يرتقي بالبيئة العملية نحو الأفضل، ويعلي من الروح الإيجابية، بتقدير المبدعين وتشجيعهم وعدم إقصاء إبداعاتهم واقتراحاتهم، والتركيز على العمل الجماعي والتعاون والتكامل والتطوير، على أن يكون ذلك نابعاً من القلب وبحب. لنستذكر أقوال سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حفظه الله: * الحكومة ليست سلطة على الناس، ولكنها سلطة لخدمة الناس، لذلك، فإن مقياس نجاح الحكومة هو رضا المتعاملين معها. * الوظيفة الحكومية ليست فقط باباً للرزق، وإنما قبل ذلك باب للإنتاج، ودوائر الحكومة ليست مكاتب للروتين والتواكل والتكاسل، بل ميادين للإبداع. عزيزي المسؤول، وطننا أمانة في أعناقنا جميعاً، صغاراً وكباراً، فكلنا مسؤولون أمام الله والوطن والقيادة وأبناء وطننا الغالي.