.. مشكلتنا مع الفساد أن بعض الناس يتصرف على أساس أن مال الحكومة حلال، لكنه يتشدد حينما يكون موظفا لا مصلحة له خاصة فيأتي بالعجائب لتعطيل مصالح الآخرين بحجة الحفاظ على المال العام. ويعطل سداد أقيام المشروعات بأنواع من التعنت والبيروقراطية وبذلك تتعثر كثير من المشروعات. والكثير من المعاملات التي فيها مصالح الناس فيضطر المواطن إلى المراجعة كرات ومرات دون حل لمعاملته لسبب من أسباب البيروقراطية أو غياب الموظف.. أو نقص الكوادر كما في المحاكم مثلا. إذ أن عدد القضاة لا يكفي للفصل في القضايا المتكاثرة المتراكمة. فما هو الحل لمعضلة اعتبار مال الحكومة حلالا ؟ وما هو الحل للتضييق على معاملات المواطنين بحجة حماية المال العام ؟ إن هذه المعضلة ليست وليدة اليوم ولكنها موجودة في كل عصر، وربنا سوف يسأل كل من أخذ حقا ظلما، وكل من منع حقا ظلما. وأذكر مثالين من التاريخ. فقد رأى الأستاذ وهيب بن زقر حين كان رئيسا لبلدية جدة إحدى سيارات البلدية يسوقها أحد الموظفين خارج الدوام الرسمي للعمل فلما ذهب إلى المكتب في الصباح قرر الحسم من راتب هذا الموظف فقال له مدير شؤون الموظفين: ليس من حقك أن تحسم من راتبه بدون محاكمة. فقال : إذن نفصله. فقال مدير الموظفين: حتى هذا لا يسمح النظام به. أما من تاريخنا القديم فقد حدث في عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن أرسل معاوية بن أبي سفيان مالا وقيدا إلى المدينة المنورة وأمر رسوله أن يسلم ذلك إلى أبيه أبي سفيان الذي سوف يسلم الكيس إلى أمير المؤمنين عمر، وقام أبو سفيان بتسليم القيد فسأله عمر : وأين المال الذي بعثه معاوية ؟ فقال : احتجنا إليه ولنا عندكم نصيب من المال فإذا جاء وقت سداده قاضيناه لكم. فقال عمر لغلامه ضع القيد في قدمي أبي سفيان حتى يدفع المال الذي عنده. فأبو سفيان أراد أن يأخذ المال مقدما ويقسطه باعتبار أن له نصيبا في المال، فإذا جاء نصيبه سدد به ما أخذه. لكن عمر بن الخطاب الخليفة الراشد العادل أمر فورا بتقييده بالقيد الذي وصل مع المال من الشام فلم يتحمل أبو سفيان ذلك وأعاد الحق إلى الحكومة، أي إلى بيت المال. إن هذه النظرة إلى المال العام يجب أن تتغير فلا يأخذ أحد شيئا إلا بحق لا ريب فيه وفي موعده الصحيح. ومن ناحية أخرى لا يعطل أحد مصالح الناس بشروط ما أنزل الله بها من سلطان، فإن مطل الغني ظلم. السطر الأخير : جاء في الأثر : «الله يمهل ولا يهمل».