شهدت الأسابيع القليلة الماضية سجالاً مطولاً حول أهمية الاقتصاد الصيني الذي يصنف ثانياً على مستوى العالم، لدرجة أن الكثير من المحللين يعتقدون أنه أكبر من أن يهمل، ما يعني أن العالم كله بحاجة للاستثمار في الأسهم الصينية والعملة الصينية. لكنه اليوم يخضع لاختبار كشف الحقائق. ففي الأسبوع نفسه الذي فشلت فيه الأسهم الممتازة الصينية في التصنيف على مؤشر مورغان ستانلي للأسواق الناشئة، سحب المستثمرون 7.9 مليار دولار من آسيا، في موجة نزوح هي الأكبر على أساس أسبوعي منذ 15 عاماً، ومعظم تلك المبالغ كانت في الصين. وهذا يعني أننا مضطرون لأخذ هذه العوامل في عين الاعتبار عند البحث في أساسيات الاقتصاد الصيني وآفاق أدائه المستقبلي. وحتى هذه اللحظة يتم التقليل من مخاطر أزمة اقتصادية عالمية بدعوى أن أسواق الأسهم الصينية تحلق منذ بداية العام محققة مكاسب هي الأعلى عالمياً. لكن قرار مؤشر مورغان ستانلي الأخير يفيد بأنه لا يزال من المبكر اعتبار الصين موطناً للأصول الممتازة. ورغم الحديث الذي لا يتوقف عن الإصلاحات، إلا أن جهود بكين لفتح أسواقها المالية أمام العالم أو زيادة الشفافية في نظامها المالي لا تزال في الحد الأدنى. وقد تكون خطوات تحويل اليوان إلى عملة عالمية متسارعة حقاً، لكن فتح الباب أمام المستثمرين لتداوله بحرية لا يزال من الوعود البعيدة المنال. ولا يزال قرار حجب صناديق الاستثمار العالمية عن التداول في الأسهم الرئيسية بحرية بيعاً وشراء وبعملة يتم تداولها بحرية أيضا، قضية بحاجة لكثير من العناء. وإضافة إلى شريحة الأسهم الممتازة، لا تزال الصين تتحين فرصة تصنيف اليوان كواحدة من العملات الرئيسية المعتمدة في صندوق النقد الدولي. وربما تتضخم أهمية هذه الخطوة انطلاقاً من الاعتقاد بأن الصين كبيرة لا يمكن تجاهلها، لكن حتى هذا الاعتقاد سابق لأوانه لأن قيمة العملة الصينية لا تزال ترتبط بقرار الحكومة وليس بمعادلات السوق.والمؤكد أن بنك الشعب الصيني وهو البنك المركزي، لا يسمح بإصدار أوراق نقدية تزيد قيمتها على 100 يوان (16 دولاراً)، خشية هروب الأموال خارج البلاد. وبغض النظر عن الاختبارات الفنية لصندوق النقد الدولي، فالسؤال البسيط الذي ينتظر الإجابة من الحزب الشيوعي الحاكم هو: هل يستطيع اختبار ثقة الشعب الصيني بعملته الوطنية من خلال طرحها للتداول الحر؟ وبعد ذلك ينبغي تجربتها لمعرفة مدى صلاحيتها للعب دور عملة احتياطات عالمية وما إذا كانت الأسهم الصينية تشكل حجر زاوية في أسواق الأسهم العالمية. لكن الحقيقة التي يدركها كل المستثمرين في العالم هي أن وراء هذا النمو الاقتصادي الاستثنائي في الصين هناك جبال من الديون التي تسارع نموها بعد الأزمة الاقتصادية العالمية، بحيث لم يعد لها مثيل في تاريخ قطاع الائتمانات العالمي.وهنا أيضاً يتم توظيف حجم الصين للتخفيف من شأن ديونها. ويفهم من المخاطر التي تحيق بتجارة الصين أن بكين قادرة على إدارة اقتصادها بنجاح من خلال التطبيع الجديد الذي يقوم على بطء النمو لتجنب انهيار القطاع العقاري أو الوقوع في كارثة الإعسار أو انهيار العملة المحلية.والحجة البالغة هنا ترتكز على الخوف لأن التبعات الاقتصادية والسياسية لعملية الهبوط الآمن لن تكون سارة ما يجبر صناع القرار على التصدي لها بكل السبل. لكن الشكوك تطل برأسها بين الفينة والفينة حول امتلاك الزعماء السياسيين الإجابات عن كل الأسئلة. أما أسباب تفاؤل المستثمرين حول مستويات الدين فتستند إلى عدم وجود مؤشرات توحي بإعسار قريب أو ارتفاع حجم الديون الهالكة. ومع ذلك تسود اليوم قناعة لدى الكثيرين بأن ذلك ناتج عن سياسة المماطلة والانتظار التي تنتهجها بكين. ومؤخراً بدأت تظهر شروخ في جدار الدين الصيني الذي يتراكم باستمرار حتى إن عملية إعادة جدولته باتت صعبة جداً ما ينذر بخنق النظام المالي بأسره. والخلاصة أن على المستثمرين التركيز على أهم عناصر الاقتصاد الصيني قبل التفكير في شراء أسهمه ألا وهو جبال الدين.