تتسع مع مرور الوقت وتشعب الأزمات الهوة بين رئيس المجلس النيابي ورئيس حركة أمل نبيه بري وباقي مكونات فريق «8 آذار» وخصوصا حزب الله والتيار الوطني الحر الذي يترأسه الزعيم المسيحي النائب ميشال عون. فبعد أن انتهج بري سياسة مختلفة عن سياسة حزب الله بالتعاطي مع الأزمة السورية وخصوصا بعد قرار الأخير الدخول كطرف مقاتل في الصراع السوري، توالت الخلافات بينه وبين عون حول الملفات الداخلية التي كان آخرها ملف التعيينات الأمنية، مما جعله أقرب إلى الحالة الوسطية وإلى سياسة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط منه إلى سياسة عون وحزب الله. ADVERTISING ويتعاطى رئيس البرلمان اللبناني بكثير من الروية والحذر مع الملف السوري ويتجنب الإدلاء بأي مواقف حادة ونارية، فيكتفي بتكرار مبادئ عامة لجهة دعمه المقاومة ومشروع مواجهة الإرهاب العاصف بالمنطقة، إلا أنه وحين يتعلق الأمر بالملفات الداخلية لا يتردد بالتعبير صراحة عن موقفه الذي يتعارض بكثير من الأوقات مع موقف حلفائه وخصوصا العماد عون. وعلى ما يبدو، فإن الخلاف بين الطرفين حول ملف التعيينات الأمنية بلغ ذروته مع إعراب بري أخيرا عن استغرابه طرح تعيين قائد جديد للجيش قبل أشهر من انتهاء ولايته، متسائلا: «ماذا فعل قائد الجيش حتى يتمّ التعامل معه بهذه الطريقة؟ هل المطلوب معاقبته على مواقفه التي اتخذَها؟». ويقود عون حملة كبيرة للدفع باتجاه تعيين قائد جديد للمؤسسة العسكرية بأسرع وقت ممكن باعتبار أن ولاية قهوجي أصلا قد تم تمديدها في العام 2013، وهو يتمسك بتعيين صهره قائد فوج المغاوير شامل روكز في المنصب المذكور. ولا يتردد النائب آلان عون، عضو تكتل التغيير والإصلاح الذي يرأسه العماد عون بالحديث عن تباين ووجود مقاربات مختلفة لملف التعيينات بينهم وبين بري، مؤكدا بالمقابل دعم حزب الله للعماد عون وتضامنه الكامل مع تكتله بكل ما يقوم به. وأشار عون في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن بري ينتهج أسلوب التسويات حين يتعلق الأمر بالسياسة الداخلية، فيسعى لتكون مواقفه غير منحازة لأي طرف وهو قد ينجح أحيانا وقد يفشل أحيانا أخرى. وقال: «نعتقد أننا وصلنا ومع الشلل الذي أصاب الحكومة أخيرا إلى تعقيد غير مسبوق للأزمة التي بدأت بشغور سدة الرئاسة وسرت تعطيلا على المجلس النيابي»، وأضاف: «حاولنا طوال العام الماضي احتواء الوضع إلا أن التدهور والاهتراء تفاقما وباتا يضغطان أكثر من أي وقت مضى باتجاه إنجاز حل شامل باعتبار أن الحلول الوسطية أثبتت عدم جدواها». وأشار عون إلى أنّه وبملف التعيينات الأمنية، لا يبدو أن هناك أفقا للحل نظرا لتمسك كل فريق بمواقفه، علما أن الحل لا يزال متاحا لتجنب الإطاحة بالاستقرار الحكومي ويقضي بإتمام هذه التعيينات وإلا توجب الانطلاق بالبحث عن حل شامل للأزمة. وأعرب العماد عون وقياديون في تياره أكثر من مرة عن عدم تمسكهم بحكومة الرئيس تمام سلام طالما هي غير قادرة على إتمام مهامها، ولوّحوا بإمكانية استمرار الشلل الحكومي حتى شهر سبتمبر (أيلول) المقبل. ويساير حزب الله عون بمعظم الملفات الداخلية من باب «رد الجميل» على مواقفه الداعمة له بقتاله في سوريا وأخيرا في جرود عرسال اللبنانية شرق البلاد. بالمقابل، يتمسك بري بالحكومة الحالية باعتبارها بنظره آخر المؤسسات الفاعلة في البلد وصمام أمان وعنصر أساسي للحفاظ على الاستقرار، من هنا يفضل تجنب الدخول في النقاش حول تعيين قائد جديد للجيش قبل انتهاء ولاية القائد الحالي جان قهوجي في سبتمبر المقبل. وفي هذا السياق، اعتبر النائب ياسين جابر، عضو كتلة التنمية والتحرير التي يرأسها بري، ألا لزوم لفتح السجال حول قيادة المؤسسة العسكرية قبل أوانه خاصة وأن الجيش يواجه الإرهابيين على الحدود وأمام استحقاقات أمنية شتى، وتساءل: «لماذا الدفع باتجاه اتخاذ قرار بإقالته قبل انتهاء ولايته في (سبتمبر)؟»، وأكد جابر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن بري ليس ضد التعيين بل يؤيده إلا أنه وإذا وصلت بنا الأمور إلى عدم تحقيق توافق داخل مجلس الوزراء حول اسم القائد الجديد فهل نترك المؤسسة من دون قائد؟ وأضاف: «الديمقراطية اللبنانية هي ديمقراطية توافقية وحين ينص الدستور على إتمام التعيينات بنصاب الثلثين فهو تلقائيا دفع باتجاه اعتماد مبدأ التوافق». وأوضح جابر أن تمسك الرئيس بري بالحكومة الحالية هو تمسك بالاستقرار الأمني والاقتصادي وليس تمسكا بأشخاص ووزراء، علما أن لدينا الكثير من الملاحظات حول أداء هذه الحكومة وحول تصرفات بعض الوزراء. وأكد جابر أن التفاهم مع تيار عون حول الملفات الاستراتيجية قائم ومستمر، مشددا على ألا قطيعة بين الفريقين حتى أننا نتفهم بعض المواقف الداخلية التي يتخذونها لتحصين جبهتهم الداخلية.. لكن كل ذلك الاختلاف في الرأي.. لا يفسد للود قضية. وقد سبق الخلاف بين بري وعون حول ملف التعيينات خلافات أخرى حول ملف تمديد ولاية مجلس النواب كما حول موضوع التشريع في ظل دفع رئيس البرلمان باتجاه «تشريع الضرورة» ورفض العماد عون وباقي الفرقاء المسيحيين النزول إلى مجلس النواب في ظل غياب رئيس الجمهورية. وترسّخ هذه الخلافات المستمرة بين عون وبري المقولة الشهيرة القائلة إن تحالف الزعيمين مبني على مبدأ «حليف الحليف» وليس على أسس متينة تؤمن استمراريته.